إلغاء الامتحانات
{ ابنتي “ملاذ” بعد أن هدها السهر والأرق وهي تجلس الساعات من المساء حتى على مقربة من الصباح وهي تكابد من أجل دخول الجامعة.. فاجأتني بسؤال هل فعلاً الامتحانات مكشوفة؟ وذلك قبل يوم من إعلان الحكومة ممثلة في وزارة التربية بتسرب ورقة الكيمياء.. سألتها عن كيف عرفت أن الامتحانات مكشوفة؟ قالت والحسرة بادية على وجهها.. إن زميلات لها يحصلن على الامتحانات من الفيسبوك في الساعة الثالثة من صباح كل يوم امتحان.. شعرت بشيء من الألم والحسرة وسألتها وهل تريدين هاتفاً عليه اشتراك في الفيسبوك؟ قالت “ملاذ” لا.. أفضل لي الرسوب في امتحانات الشهادة بشرف من دخول جامعة الخرطوم، بالغش والتزوير.. كبرت “ملاذ” في نظري.. وشددت على يدها.. وفي اليوم الثاني وقبل جلوس الطلاب لورقة اللغة الانجليزية ،تبرع أحد شركاء قروب تواصل اجتماعي مقيم في كندا، أي أقصى الركن الغربي من الدنيا بنشر ورقة لغة انجليزية، زعم أنها امتحان ذلك اليوم.. وللأمانة بعد عودة “ملاذ” من مدرستها عرضت عليها الامتحان المزعوم ،ولكنها أكدت عدم صحة ذلك ،وهو محض تزوير لامتحان قديم مضت عليه ثلاث سنوات.
{ في كل أركان الدنيا هناك استخدامات لوسائل التواصل الاجتماعي إلا السودانيين تفوقوا على العالم برمته في إساءة استخدام تطبيقات الواتساب والفيسبوك وتويتر ، واتخذوا هذه الوسائل العصرية أداة هدم ونخر في عظم المجتمع.. تفشى الإحباط في أوساط الطلاب جراء السلوكيات المنحرفة لبعض السودانيين بإشاعة كشف أوراق الامتحانات.. واستخدام ذات الوسائل الإعلامية في الكشف عن امتحان مادة الكيمياء.. وقد زرعت الواقعة عدم ثقة في نفوس الطلاب وأولياء أمور الطلاب حتى موعد إعلان النتيجة في يونيو القادم.. وأبدت رئاسة الجمهورية اهتماماً بالحادثة وشكلت لجنة التحقيق للوصول أولاً لكيفية تسرب ورقة امتحان الكيمياء؟ ومن يقف من وراء التسريب؟ ولماذا فعل ذلك؟ وحتى تكشف اللجنة التي يرأسها وكيل نيابة بدرجة مستشار بالنيابة العامة!! هل الطريقة التي تتم بها امتحانات الشهادة السودانية الحالية تواكب العصر؟ وهل هي الوسيلة الوحيدة لقياس مدى تأهيل الطلاب للدراسة بالجامعات؟ ولماذا لا يفكر خبراء التربية والتعليم في تغيير الامتحانات بوضعها القديم إلى امتحانات لقياس قدرات الطلاب أكثر عصرية؟ مثلاً .. لماذا لا تنعقد امتحانات السنة الأولى ثانوي في كل ولاية لوحدها.. ويتم مراقبتها من قبل أساتذة أكفاء.. وإرغام المدارس الخاصة للامتحان في مكان واحد مع المدارس الحكومية درءاً لشبهات التزوير والغش.. وقبول الطالب في الجامعة بنسبة نجاحه العامة خلال السنوات الثلاث التي أمضاها في المرحلة الثانوية؟ ولماذا لا يصبح مسار الطالب رهيناً بترشيحات المعلمين له بدلاً من حساب النسبة الحالية؟.. ويرغم الطلاب على دراسة تخصصات بعيدة عن اهتماماتهم ومواهبهم؟
الدول الغربية تجاوزت الطرق التقليدية في الامتحانات ونحن لا نزال نجمع الطلاب سنوياً لامتحانات يدخلها الطالب (مرعوباً) وقد يتعرض الطالب الممتحن لمشكلة اجتماعية في بيت الأسرة قبل يومين فقط من بدء الامتحانات تفقده التركيز ويرسب لاسباب خارجة عن إرادته.. فكروا في الامتحانات بطريقة أخرى بدلاً من إهدار الوقت في التدابير الاحترازية لسد ثغرات يتسلل منها المزورون.