مع السلامة..!!
{ الصفتان الغالبتان في “يس عمر الإمام” أن الرجل يطرب للأشياء التي تطرب، ويحزن عند دواعي الحزن.. يغضب بانفعال حين تمس ثوابته وقناعاته.. يفعل ذلك باندفاع شديد.. يثور، ويغضب، ويصفح، ويحلم، ويرسل ضحكة عذبة تصدر من دواخل قلب حنون لسوداني تتجسد فيه كل قيم المروءة والشهامة.. عميق المعرفة بالسودان والسودانيين.. شديد الولع بتاريخ الحركة الإسلامية مع تقديس لرمز أو فعل.. صحافي أنيق العبارة، عاش وسط الصحافيين كأنهم أقرباء دمه أو خلانه، يحزن حينما تقمع السلطات حبر حروفهم.. ينافح بعصاه ولسان ذرب عن مهنة وهبها نصف عمره والنصف الآخر للحركة الإسلامية.
{ كانت أم درمان مدينة “يس عمر الإمام”.. طفولته، شقاوته، شغفه بالعلم والمعهد والمدرسة والسوق.. كان أم درمانياً.. وحدثني الرجل بثقة العارف أن الاسم مأخوذ من اسم امرأة تدعى (أم عبد الرحمن) كانت تقطن ذلك المكان البعيد عن الخرطوم، ولم تصبح مدينة إلا بالثورة المهدية حينما حطت في ربوعها قبائل الشرق والغرب والشمال والجنوب لتشكل مدينة إسلامية عربية زنجية، حتى خلدها “محمد المكي إبراهيم” في دفاتر عشقه كحانة مفروشة بالرمل ومجدولة من شعر أغنية.. تبكي أم درمان لرحيل الإمام “الصديق”، وتبكي على “علي المك” وعلى “صديق أحمد حمدون”.. وأمس ذرفت أم درمان الدموع في رابعة النهار ورمضان يظللها.. (بكت) بقلبها ومقلها و”يس عمر الإمام” يرحل فجراً وتغمض عيناه للأبد.
{ كان “يس عمر الإمام” فقيراً فقراً غير مذلٍ، وغنياً في نفسه.. ضعيفاً حد رقة الشعراء وعذوبة المغنين.. شديد البأس صارم القسمات.. يرفع سيفه في وجه ما يعتقد أنه الباطل.. وحده من بين كل قيادات الحركة الإسلامية يقول “حسن الترابي” (حاف) غير مسبوقة بصفة شيخ المكتسبة بالأبوية التنظيمية، ولا صفة دكتور كحصيلة عرق جبين وكسب تحصيل.. لكنه شديد الولاء لـ”الترابي” حينما انفض عنه التلاميذ والأقران.. بقي بالقرب منه يسديه النصح ويجهر بقول الحق.
{ “يس” نظّف لسانه مثل حرصه على نظافة ثيابه حينما (تلاسن) الإسلاميون ما بعد الرابع من رمضان.. ظل حكيماً وسط الشعبيين وصديقاً لأغلب الوطنيين.. يحفظ للرئيس “البشير” فضله، ولا ينكر لـ”الترابي” كسبه، فأصبح شيخ “يس” أب الجميع بخلقه وأدبه وكرمه.. بيته مفتوح بلا حراس شداد غلاظ.. يستقبلك بدعابة أو تأنيب: (لماذا تغيب عني؟).. يسكب من قارورة لبن الإبل لمن يأتيه.. ويضع بين أصبعيك (حبات) بلح.. والرجل لا ناقة له ولا نخيل، لكنه زرع في وسط الشعب السوداني الحب والصراحة والمبدئية.
{ حينما اختار “الترابي” بعد انتفاضة أبريل 1985م شاباً أصغر من “يس” و”السنوسي” و”خليفة الشيخ” و”علي الحاج” و”محمد يوسف” و”أحمد عبد الرحمن” قيادة من قطاع الشباب، وارتقى بالأستاذ “علي عثمان محمد طه” فوق الشيوخ.. قال شيخ “يس”: المستقبل لهم، و”علي عثمان” قيادة نقف جميعاً دعماً لها، فهو مثل “خالد ابن الوليد” حينما تسلم قيادة الجيش لم يخض معركة إلا وانتصر..
{ رحل عن دنيا لا يملكها من يملكها الشيخ الورع القلب العطوف.. الأب الحنون.. والإنسان المتفرد بطريقته الخاصة..
سيدي وشيخي وأخي وصديقي ووالدي وخالي وعمي “يس عمر الإمام”.. مع السلامة..
كل الدروب أمامنا مسدودة
وخلاصنا في الرسم بالكلمات
هل صحيح أن خلاصنا في الرسم بالكلمات؟ وبأية كلمات نودعك وأنت فينا قيم وإرث وتاريخ يتجدد؟!