خربشات
لماذا تسكن كلمات الشاعر “صلاح حاج سعيد” نبرة الحزن العميقة ومفردات الأسى والشعور بالرهق، وهو الذي خصب مفردات الأشعار بطعم ومذاق خاص، سما بالحب فوق الإحساس المادي إلى الفضاء الإنساني الشفيف، ورسم “صلاح سعيد” ملامح فترة ما بعد النصف الثاني من الثمانينيات.. لم يجلس في أريكة المعارضة ويحبس نفسه في خانة الشاعر السياسي.. ولم يبع شرف كلمته هاتفاً في جوقة المؤيدين بلا وعي.
حافظ “صلاح حاج سعيد” على جمهور يمتد من منابر اليسار إلى مجالس اليمين.. ومَن من الشعب السوداني لم تحبسه أغنيات “مصطفى سيد أحمد” التي صاغها شعراً “صلاح حاج سعيد” وهو يجلس في المقعد الأخير للحافلة العائدة إلى قريته.. حارته.. ميدنته.. والكلمات تنساب عذراء:
وبقيت أغني عليك غناوي الحسرة
والأسف الطويل..
عشان أجيب ليك الفرح
رضيان مشيت بالمستحيل
ومعاكي لآخر المدى
فتيني يا هجعة مواعيدي القبيل
بعتيني لي حضن الأسى
وسبتيني للحزن النبيل..
لم ترد في كل أغنيات المطربين السودانيين من “خليل فرح” وحتى عهد “أحمد الصادق” و”ندى القلعة” كلمات مغناة تم تطريزها وشحنها بهذا الشجن إلا عند “صلاح حاج سعيد”.
فتيني يا هجعة مواعيدي القبيل..
في سنوات مضت حينما تغنى “إبراهيم عوض” برائعة زميلنا الشفيف “النعمان علي الله”.
بعت العمر كله عشانك وباقي
العمر على دين..
قال الناقد والأديب “السر قدور” إن أبلغ تعبير في كل الغناء السوداني كتبه “النعمان” (بعت العمر كله عشانك) ولكن جاء زمان “صلاح حاج سعيد” ومضى بعيداً.. في جعل الكلمات والحروف ترقص طرباً وتهتز حزناً.. ويوم رحيل “مصطفى سيد أحمد” في السادس عشر من شهر يناير عام 1996م، رسم “صلاح” بقلمه الذي كان يقطر دمعاً مشهداً آخر..
كل المطارات والموانئ
وشفع البلد الفتارى
لسه بارين القطارى
يسألوا الناس عن خبر زولاً
مسطر أسمو في قلوب العذارى
وفي عيون كل المساكين الحيارى
رحم الله “مصطفى سيد أحمد” كان غنوه في شفاه الأطفال ولحناً في عيون المحبين.. وهمسة في ضفاف النيل.. ونسمة في عز الصيف.. غادر الدنيا مسرعاً مثل الأخيار دوماً يرحلون في عز الصبا.. مضى “مصطفى” في الدوحة.. وغرب شعاع “عبد العزيز العميري”. وجفت الدموع يوم موت “محمود عبد العزيز” وبقيت الألحان ذكرى والأشعار نجترها لتعيد لنا ولو مؤقتاً بعض الذي كنا فيه من عوالم انطوت صفحاتها.
(2)
امرأة لم تتجاوز العقد الثالث من العمر.. طويلة القامة شامخة مثل نخلة على الجدول.. عيونها عسلية مثل عيون كل الشعب السوداني في جواز السفر القديم.. وجسدها نحيل اسمها “أم جابر” والدها “عيسى” المؤمن.. تقيم في محلية بحر العرب. على حدود السودان وجنوب السودان، ولدت في حي العمدة بمدينة أم مطارق، تنتمي إلى عشيرة منصور من أفخاذ قبيلة الرزيقات.. لقبها (الحكامة أم جابر) تغني للفرسان.. وتحض على عمل الخير.. تفيض هذه المرأة الخاصة كرماً وبذلاً وعطاءً وسعياً لأعمال الخير.. تجسد “أم جابر” معنى الوفاء النادر في زمن أصبح فيه الوفاء عُملة لا وجود لها في الأسواق.. إذا زرت مدينة الضعين وتجولت في أسواقها تجد “أم جابر” في كل مكان.
تتبرع بمالها لإطلاق سراح الغارمين.. تطعم الجوعى.. وتنفق على المرضى.. وعابري السبيل لا يبقى المليون من الجنيهات في يدها إلا بضعة ساعات.. تناهض “أم جابر” التمرد.. وتغني ألحاناً شجية للجيش والدعم السريع.. وتحمل البندقية كمقاتلة في صفوف قوات حرس الحدود.. قبل إدماجها في الدعم السريع.. وقفت رافضة لحرب الرزيقات والمعاليا.. وحرضت النساء على مقاطعة الرجال الذين يقاتلون أبناء عمومتهم.. اتكأت “أميرة الفاضل” حينما أسند إليها أمر نسج التصالحات بين مكونات شرق دارفور على ساعد امرأة اسمها “أم جابر” فكان النجاح حليفها.
عندما يزور النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” شرق دارفور ترافقه طوال رحلته تسهر الليل.. وتقدم وجبات من المأكولات الشعبية العصيدة باللبن.. وأم لبنين.. وأصناف من اللحوم.. تتفوق “أم جابر” على كل النساء بجودة طعامها.
أمس (الأربعاء) تفاجأ الدكتور “الفاتح الحسن” مدير مكتب النائب “حسبو” القيادي في المؤتمر الوطني بوجود الحكامة “أم جابر” في مستشفى رويال كير لمعاودة ابنه الصغير “محمود” كتب الله له الشفاء.. جاءت “أم جابر” من الضعين إلى الخرطوم لزيارة الصغير “محمود” وفاءً نادراً وقيمة مضافة في حُب الخير.. وصفاء قلب ورقة إحساس وومضة خاطر لا تمد هذه المرأة النخلة يدها للمسؤولين طلباً لمال أو هدايا.. بل هي تنفق مما تملك من ثروة حيوانية على ضيوف شرق دارفور.. في زيارة “حسبو محمد عبد الرحمن” العام الماضي لمنطقة (سيدو) التي تشهد الآن مشروعاً لجعل البحيرة التي زارها “عبد الناصر” والشيخ “زائد” قبلة للسياحة.. ومضماراً لسباقات الخيول والإبل.. أقامت “أم جابر” إفطاراً على نفقتها لأكثر من مائة شخص من مرافقي النائب “حسبو” وقيادات شرق دارفور.. في سوق أم مطارق.. وقف شاب يتحدث محرضاً للناس على عدم تسليم أسلحتهم للدولة بما يعتبر تحريضاً علنياً ضد مشروع جمع السلاح، تقدمت نحوه الحكامة “أم جابر” وأمسكته من عنقه بكلتا يديها.. وقالت (سراق السخيلات داير السلاح يقتلنا) (حرامي ود أم قذقة) وحار الناس في كيفية فض الاشتباك بين الحكامة “أم جابر” والرجل الذي سقط جراء قبضة المرأة الحديدية على عنقه.
أنها امرأة صالحة.. كريمة شهمة تستحق التكريم في يوم المرأة العالمي، ولكن هل يبصر اتحاد المرأة السودانية أبعد من أرنبة أنفه!! وهل بعد ذهاب “زينب محمد الطيب” من قيادة المرأة في حزب المؤتمر الوطني ثمة من يعرف قدر النساء أمثال “أم جابر” يا نسمة عز الصيف.. لا تتأخري قبال تجي رشة المحنة بكل دار، كما يقول الشاعر “مبارك بشير” في رائعة نسمة التي تغنى بها “محمد عثمان وردي”.
هل استسلم رئيس نادي المريخ المعين من قبل الحكومة “محمد الشيخ مدني” وقنع من السلطة المعينة في ظل رفع الفيفا لسيف التجميد والطرد ؟إذا ما تمادى الوزير اليسع في توجهه نحو تعيين مجلس سلطوي في وجود مجلس منتخب من أعضاء الجمعية العمومية.. ومتى تصبح الديمقراطية في نادي المريخ راجحة وراسخة بعد سنوات الغيبوبة التي تمددت وأصابت جسد النادي الكبير بالأمراض التي يصعب الشفاء منها؟
وكل جمعة والجميع بخير..