ستات الشاي : (البنبر) الوطني.. هل يقصي الأجنبي بالقاضية الفنية؟
على خلفية أمر إداري محلي منع الأجنبيات من مزاولة مهنة بيع الشاي، وجعلها عملاً حصرياً للآنسات والسيدات السودانيات، طافت (المجهر ) على عدد من بائعات الشاي اللاتي اتخذن من مربع (4) بسوق ليبيا مكاناً للتنافس الشريف والدؤوب على صنع (الشاي الصاموتي)، إذ ينهضن باكراً فيوقدن مواقدهن، ويرفعن عليها (كفتيرات) ضخمة ملأى بالماء الحامي، وينظمن على مناضدهن (طباليهن) علباً زجاجية معبأة بالسكر والشاي ومسحوق البن، والبهارات في انتظار الزبائن.
ورغم أننا فوجئنا بأن جل من استطلعناهن لا علم لهن بصدور هكذا قرار، لكنهن أبدين ترحيباً كبيراً به، بينما جُوبه بتحفظ شديد من قبل الأجنبيات اللاتي كُنَّ على معرفة تامة بصدوره، لكنهن تقبلنه على على مضض.
على كل حال، سنرى سوياً، ماذا في التفاصيل:
مباشرة أمام المسؤولية
في تجمع منظم ومحكم، جلست مجموعة من النسوة بائعات الشاي والقهوة، صقلت سنوات العمل تجربتهن في (صنع الشاي والقهوة) فبرعن فيها وأجدنها وطورن كثيراً من أسلوبهن في عرضها وتقديمها كسلعة لا غنى عنها ولا فكاك، يمددن الضراع ويطوينه ويعكفن على تقديم الساخن من أجل حفنة نقود تقيهن نكبات وتقلبات الزمن، وتسهم في فتح بيوتهن وتربية أولادهن، بعد أن وجدن أنفسهن أمام هذه المسؤولية مباشرة، نتيجة للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
جلست هؤلاء النسوة صبوحات الوجه بشوشات رغم الأسى والحزن البادي على محياهن، وهذا ما كشفت عنه وجوههن القنوعة، وجلستهن المتواضعة والطويلة.
ما بنديكم موية
وتحت (الراكوبة) النظيفة تقاسمنا الحديث مع السيدة “الجنة حاج أحمد” و”صافية” بحضور عدد من الزبائن تجاراً وعابرين، تداخلوا معنا في الحديث،
تقول “صافية ” التي تمارس المهنة منذ أكثر من (25 عاماً)، إنها تعول أسرة كاملة، منذ أن هجرها زوجها لجهة غير معلومة، تاركاً لها (كوم لحم) في إشارة إلى الأطفال، بحسب تعبيرها، فضلاً عن تحملها لنفقات والدتها المريضة، وقد اتخذت “صافية” من سوق ليبيا ملاذاً لها متنقلة بين جنباته، قالت تصف القرار بأنها معه قلباً وقالباً، وأضافت: (وفي النهاية كل زول بياكل رزقو)، غير أنها عادت مجدداً لتؤكد: (هو الأجنبيات ديل الناس ذاتن الناس ما قاعدين يشربوا عندهن)، وهنا قاطعها أحد الزبائن : (القال ليك منو، والله هن منظمات وبعرفن كيف يجذبن الزبون بخدماتن الراقية، يقدمن ليك موية باردة وريحة المكان المعطرة بالبخور تفتح النفس، دا غير العدة النضيفة ومقيفة)، ولكن سرعان ما تصدت له برد قوي قائلة: (هوي نحن السودانيات ما بنقوم نديكم موية، نحن عزاز وكرام، اشربوا مويتكم براكم ياها دي خاتنها ليكم).
عايزين نعيش
من جهتها علقت بائعة الشاي السيدة “الجنة حاج أحمد” الشهيرة بـ”سادومبا” قائلة: إنها ورثت هذا المكان عن والدتها، التي أسسته منذ العام 1982م، قبل أن ترثه هي 1999م، مضيفة: (نحن ملتزمات بكل القرارات التي تصدر عن الحكومة، لأننا في النهاية عايزين نعيش عيشة كريمة)، وعن ما إذا كن يقمن باستخراج رخص عمل ويدفعن رسوماً لمزاولة المهنة، قالت “الجنة” إنهن يدفعن نسبة شهرية، لكن المحلية مشكورة لا تضغط عليهن، وتجعلهن يدفعنها بارتياح، على حد تعبيرها.
الأولوية للسودانيات
إلى جوار “صافية والجنة” حجزت “آمنة إسماعيل” لنفسها مكاناً جميلاً ومرتباً، ورغم ذلك كان عدد الزبائن قليلاً جداً. وابتدرت “آمنة” حديثها لـ(المجهر) قائلة: إن عدداً من الزبائن كانوا طلبوا منها إحضار أجنبية لمساعدتها لكنها تجاهلتهم، لأنه من وجهة نظرها، أن للسودانية الأولوية في العمل، وأضافت: (لكن معظم الرجال بدوروا الأجنبيات)، وبسؤال أحد زبائنها، أيهما يحبذ قال: (ما فارقه معاي محل ما القي راحتي بقعد، المهم أظبط مزاجي).
أما رفيقتها “بخيتة أحمد” تقول إن هناك عدداً كبيراً من الأجنبيات طلبن العمل معها لكنها رفضت .
وفي السياق قال المواطن ” نصر الدين داؤد” إنه يؤيد القرار بشدة مضيفاً: (نحن سودانيون، والمرأة السودانية ما لاقية شغل، لذلك فهي الأولى ببيع الشاي)، وفي المجلس ذاته تذمر بعض المواطنين وأجمعوا (مطنطنين) كدي هسه لما القرار ينزل أرض الواقع، ثم وبسخرية: (ده كان نزل).
مقاهي الأجنبيات نظيفة، ومعرفتهن بالقرار أفضل
إلى ذلك لم تغفل (المجهر) استطلاع رأي الطرف الآخر، فذهبت إلى حيث المعنيات بالقرار من الأجنبيات، وما إن ولجنا أول (مقهى) خاص بهن، حتى اقتحمت أنوفنا رائحة البخور العطرة، بينما اصطفت القوارير والزجاجات والفناجين زاهية الألوان وبطريقة هندسية رائعة على (الطاولة)، وعندما تطلب القهوة تأتيك الصينية محملة بأشياء أخرى كالبهارات والتوابل والفشار (لزوم البرستيج) وتجويد الخدمة، فوجدنا ثمة زبائن تناثروا هنا وهناك في المكان الواسع، وعلى غير السودانيات، فقد كانت السيدة “تقست” بائعة الشاي الأثيوبية أكثر إلماماً ودراية بالقرار من نظيراتها السودانيات، وتساءلت: (على أي أساس استند القرار ولماذا)؟ وزادت: (نحن أتينا من بلدنا عشان لقمة العيش، وليس كل الأجنبيات سيئات كما يظن البعض)، وأضافت: (صحيح أن بيننا من هم مجرمون أو أخلاقهم سيئة، وهؤلاء قلة، لذلك لا يمكن أن يشمل الجميع، ومثلما هناك أجانب ما كويسين فذات الأمر ينطبق على السودانيين).