تقارير

هل يعود “بدر الدين محمود” لوزارة المالية على طريقة “صلاح قوش”؟؟

قراءة في تعديلات المؤتمر الوطني ومؤشرات المستقبل

الحركة الشعبية تخرق وقف إطلاق النار وتهاجم العروبة والإسلام
حديث السبت – يوسف عبد المنان
لم يتفق السودانيون على شيء بقدر اتفاقهم على فشل الطاقم الاقتصادي الذي يدير الشأن الاقتصادي، وذلك بسبب التدهور المريع الذي انحدرت إليه البلاد في الشهور الماضية.. وانسداد حتى نفحات الأمل لغدٍ أفضل مما تعيشه البلاد من ضيق وعنت، وقد شح الدواء وساد الغلاء.. وضعفت القوة الشرائية.. وجفت السيولة.. وتوقفت المصارف عن الوفاء بالتزاماتها نحو المواطنين في سابقة لم تشهدها البلاد منذ الاستقلال.. وتحت وطأة الواقع اليائس، وجد رئيس الجمهورية نفسه أمام خيارات محددة للتدخل شخصياً لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية من الانحدار أكثر.. وتم تكوين غرفة طوارئ اقتصادية بالقصر باسم لجنة ضبط سعر الصرف، وقد نجحت اللجنة في إنقاذ الجنيه السوداني من (الغرق) واتخذت حزمة تدابير إجرائية مؤقتة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية في البلاد بسبب خطل سياسات الطاقم الاقتصادي لحكومة الوحدة الوطنية التي ظلت تتعرض للنقد العلني منذ تشكيل الفريق الاقتصادي بقيادة الجنرال “الركابي” الذي جاء للمالية بخلفيته الدراسية كمحاسب وصراف يقبض على مفاتيح خزائن المال وليس مخططاً اقتصادياً برؤية وتجربة، وساهمت في اختيار وزير المالية خلفيته المهنية كضابط كبير في القوات المسلحة يتصف بالانضباط والالتزام الصارم بتوجيهات القيادة العليا.. وجمعت المجموعة الاقتصادية للحكومة “حازم عبد القادر” محافظ المصرف المركزي وهو شاب بخبرة لا تؤهله لهذا المنصب.. ود. “موسى كرامة” وزير الصناعة وهو اقتصادي له خبرات عريضة، لكن سياسياً ينتمي إلى حزب حليف للوطني.. ووضعت الحكومة على وزارة المعادن البروفيسور “هاشم علي سالم” مكافأة له على جهوده في الحوار الوطني وصبره على التفاوض الطويل.. وتعيين بروفيسور “هاشم” في أهم وزارة اقتصادية كان خصماً على كفاءة وقدرات من سبقوه مثل د.”أحمد الكاروري” و”كمال عبد اللطيف”، وفي عهده تم تهريب الذهب من مطار الخرطوم وتدنى الإنتاج مثلما تدنى إنتاج البلاد من البترول بعد انصراف الوزير إلى (المكايدات) وتعيين كل من تم فصله وإبعاده من الوزارة أيام د. “عوض أحمد الجاز” لضعف كفاءته أو لأسباب أخرى، وتحسرت الحكومة على وزير البترول السابق د. “محمد عوض زايد” الذي كان يخطط للعودة بالإنتاج تدريجياً إلى نصف مليون برميل في اليوم.. أما في وزارة التجارة فإن وزيرها لا حول له ولا قوة.. كان الرجل طامحاً في الفوز بمقعد الرئيس حينما رشحه السيد “محمد عثمان الميرغني” لمنافسة “البشير”، لكنه عاد بعد سنوات لينال مقعد الوزير في حكومة “البشير” بعد شد وجذب.. ويفتقر الطاقم الاقتصادي للحكومة إلى الرؤية الشاملة في كيفية معالجة مشكلات الاقتصاد في البلاد والارتقاء بالإنتاج ومضاعفة الصادر.. وانصرف جل جهد الحكومة وفريقها الاقتصادي في السعي لدول الخليج بحثاً عن الودائع المالية والإعانات لتغطية عجز المحروقات والقمح.. ويوم (الثلاثاء) الماضي في خطوة تشير إلى ردة فعل على تصاعد الانتقادات التي وجهتها بعض الصحف السودانية لتقاعس التحالف العربي عن دعم الاقتصاد الذي يعاني بشدة، بينما الدم السوداني ينزف بشدة في حرب اليمن، أصدرت الإمارات كشف حساب لمجمل الأنشطة الاستثمارية والتمويل التنموي الذي قدمته للسودان البالغ (28) مليار درهم إماراتي أي ما يعادل (7,8) مليار دولار أمريكي، وقالت الإمارات إنها أودعت (1,4) مليار دولار في بنك السودان لمساعدة الحكومة على النهوض باقتصادها، وقد نشرت الصحف السودانية الصادرة (الأربعاء) الماضي التقرير، وخبر دعم للبنك المركزي وجد رواجاً واسعاً في الصحافة السودانية كأنه حدث جديد.. وقد تناسى الجميع الشعارات التي حشدت القدرات ورفعت همة الشعب حينما كانت شعارات الإنقاذ (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ونفوق العالم أجمع)،
فأصبحت هذه الشعارات اليومية مصدر سخرية وتندر من قبل المعارضين، وأقبلت الحكومة على انتظار الهبات والمعونات والاحتفاء بالودائع والدعومات.. وجلسنا مثل غيرنا من الدول المتلقية للمساعدات التي تحتفي صحفها وتغني أجهزة إعلامها لشحنات القمح الأمريكي حينما تطرق موانئها.
وسياسات النخبة الاقتصادية التي تدير الاقتصاد خنقت بلداً واعداً بالخير، منتجاً.. واعتمدت النخبة الاقتصادية الفاشلة على المعالجات الإدارية ومحاربة تجار العملة بالشرطة والإجراءات الأمنية بدلاً عن امتصاص السيولة بالسياسات المرنة، وجذب مدخرات المغتربين بالحوافز كالتي أقرتها الحكومة أخيراً لكن بعد أن فقد الناس ثقتهم في الجهاز المصرفي الذي أذعن لتوجيهات بنك السودان التي أضرت به وبالحكومة، وقد نجحت سياسة خفض أسعار الدولار مقابل الجنيه إلى حدٍ ما.. لكن مقابل ذلك ساد الكساد في الأسواق، وعاودت الصفوف المتطاولة بحثاً عن الجازولين والبنزين خاصة في الولايات.. وبلادنا ليست في حاجة لإجراءات ضبط فقط بقدر حاجتها إلى سياسات مالية وتخطيط فقط بقدر حاجتها إلى سياسات مالية وتخطيط اقتصادي، ولأول مرة يجمع الناس على خطأ إعفاء الوزير السابق “بدر الدين محمود”، ويطالب الآن أغلب قيادات المؤتمر الوطني بإعادته على طريقة عودة “صلاح قوش” لمنصب مدير جهاز الأمن، و”بدر الدين محمود” رغم موقفه من الإعلام والصحافيين.. وإغلاق أبوابه في وجه الصحافة، إلا أن أداءه الاقتصادي ورؤيته التخطيطية وقدرته على ضبط الصرف وسعر الصرف أفضل بكثير من الجنرال “الركابي” الذي ظلم نفسه بقبوله منصب وزير المالية وخذل الذين رشحوه للمنصب بتواضع أدائه خلال الفترة الماضية.
{ إحياء مفاوضات السلام
تواجه د. “فيصل حسن إبراهيم” في مقبل الأيام مهمة صعبة وعسيرة في قيادة وفد الحكومة المفاوض، بعد أن ظل قريباً من ملف المنطقتين لسنوات عديدة سواء بوجوده في الاتصال التنظيمي لأكثر من عشر سنوات أو في ديوان الحكم الاتحادي، ومبادراته التي أثمرت من قبل بتوقيع اتفاقيات مع حركات منشقة مثل حركة (شهامة).. ومجموعة “خميس جلاب” ،قبل أن يعود الرجل إلى أحضان “عرمان” و”عقار”.. وحتى ملف التفاوض مع قيادات أبناء النوبة في الولايات المتحدة من رموز الحزب القومي السوداني، كان لدكتور “فيصل حسن إبراهيم” الأثر المباشر في إقناعهم بالعودة للخرطوم، والمشاركة في الحوار الوطني ودخول البرلمان كأعضاء فاعلين الآن.. وشكل د. “فيصل” ثنائية مع عدد من أبناء المنطقة، حيث كان يخوض غمار التفاوض مع أبناء النوبة يساعده في سنوات مضت العميد “محمد مركزو كوكو” ومن بعده “الطيب حسن بدوي” الذي يمثل الذراع اليمنى للرجل.. وبتعيينه في منصب المساعد يصبح مسؤولاً مباشراً عن ملف التفاوض مع الحركة الشعبية الجناح الرئيس بقيادة “عبد العزيز الحلو”، وهي مهمة صعبة وعسيرة في ظل ما يجري على أرض الواقع من تباعد في المواقف السياسية.. رغم الرهانات التي وضعت على كاهل “الحلو”، ووقوف القوميين النوبة في كل مكان معه بغضاً في “ياسر عرمان” وإحساساً منهم بأن الحركة الشعبية يجب أن يقودها أبناء النوبة ويفاوض قادتها بالأصالة حول مشاكل منطقة جبال النوبة بعيداً عن ما تدعيه الحركة من تمثيل لكل السودان.. والقوميون النوبة يمتد وجودهم في كل الأحزاب خاصة المؤتمر الوطني الذي دفع فيه قادة النوبة بشدة أشرعة الانفصال ،الذي ضرب صفوف الحركة الشعبية ووجد “الحلو” تشجيعاً من كل أبناء النوبة ليعبر بهم نحو تحقيق السلام.. لكن هل مؤشرات خطابات وأطروحات مجموعة “الحلو” تذهب باتجاه الحرب أم السلام؟؟ بعيداً عن حوادث خرق وقف إطلاق النار على الأرض وضرب مدينة كادوقلي ليلة (الثلاثاء) الماضي ،حينما كان العالم برمته يصوب بصره إلى شاشات التلفزة ومحاربو أسبانيا من فريق إشبيلية يحاصرون شياطين بريطانيا الحمر، والفتى الجزائري “وسام بن يدر” يودع هدفين في شباك الحارس العملاق “دخيا”.. صوبت الحركة الشعبية من منطقة بالقرب من مدينة كادوقلي صاروخاً سقط بالقرب من سينما المدينة الواقعة وسط السوق القديم، وأدت القذيفة إلى إصابة بعض المواطنين.. وقريباً من الندوة ،التي كشفت عن خفايا أجندة حركة “عبد العزيز الحلو” التي أقامتها الحركة في بريطانيا، وتحدث فيها عراب الحركة ومفكرها والعدو اللدود لـ”عرمان” الأديب “أبكر آدم إسماعيل”، صاحب المدن المستحيلة، الذي قال في تلك الندوة إن حركته تقاتل العروبة والإسلام ،وتعبر عن الأفريقانية ،وترفض عروبة السودان وإسلاميته، ولم تجد تلك الندوة وما قيل فيها حظاً من النشر لإضاءة تفكير النخبة الجديدة ،التي تقود الحركة الشعبية.. أثارت تصريحات “أبكر آدم إسماعيل” مخاوف الطرف الآخر من الحركة الشعبية، وانتقد “مبارك أردول” في قروب (عاجل) على تطبيق (الواتساب) وهو من أشهر القروبات التي تجمع الصحافيين بالسياسيين ويديره الصحافي المهاجر “صلاح مضوي”، انتقد “أردول” تصريحات “أبكر” وقال إنها لا تعبر عن مواقف الحركة الشعبية التاريخية، وأضاف إن الحركة ليست في حالة خصام ولا عداوة مع العروبة والإسلام.. وقلّل بعض قادة القوميين النوبة من أقوال “أبكر آدم إسماعيل” ، الذي ينحدر من محلية القوز بولاية جنوب كردفان منطقة الفرشاية، ولا ينتمي إلى القبائل النوبية التي تقاتل في الجبال، لكن مشروع الحركة الشعبية الجديدة، يبدو غارقاً في العنصرية ،وأكثر تخلفاً في رؤيته لطبيعة الصراع في جبال النوبة من الحركة الشعبية، قبل انقسامها إلى حركتين.. وخلال شهر (أبريل) القادم تنعقد الجولة القادمة من المفاوضات التي يقودها د. “فيصل حسن إبراهيم” لأول مرة، ومن الجهة الأخرى “عمار أموم” ، الذي أثار في جولة المفاوضات الماضية جدلاً واسعاً في الأوساط الصحافية، وخيب آمال الذين عدّوا الانقسام بمثابة انتصار لتيار السلام على تيار الحرب، وقال “أموم” كلاماً بغيضاً في عنصريته ،وهو يرسم مشهداً كاريكاتورياً من خياله عن الأوضاع في جبال النوبة.. وزعم “عمار أموم” وهو إسلامي سابق ،ينتمي إلى جماعة أنصار السنّة المحمدية، مثل رفيقه في الضفة الأخرى ،”مبارك عبد الرحمن أردول” ،صاحب رواية (الريال المقدود)، زعم تفشي العنصرية والتمييز السالب في السودان، وطالب بإقامة دولة أخرى على هدى كتاب السودان الجديد.. وفي حالة الفشل في إقامة تلك الدولة فإن حركته لديها خيارات أخرى ستأتي بعد ذلك.. ولم يكلف الرجل نفسه عناء النظر إلى المهالك التي تردت فيها دولة الجنوب، حينما اتبعت سبيل السودان الجديد.. والمفاوضات التي تطاولت وبلغت أربع عشرة جولة ،ما تزال تقف على أبواب القضايا الإجرائية ،ولم تناقش القضية السياسية، والمفاوضات أصلاً تعتريها تشوهات تعكس طبيعة مشاغل واهتمامات الحركة الشعبية وحكومة السودان ،بإعلاء الاعتبارات الأمنية والعسكرية على القضايا السياسية.. فهل يستطيع د. “فيصل” إحداث انقلاب في جدول التفاوض بتقديم الملف السياسي على الأمني، والاتفاق أولاً على القضايا السياسية محل الخلاف، ومن ثم مناقشة الملفات الأمنية ، وذلك بجعل الإرادة السياسية تعلو على الاعتبارات الأمنية؟ وقد جربت الوساطة مناقشة ترتيبات توصيل الإغاثة ووقف إطلاق النار وفشلت في ذلك أيما فشل.. ولم تحقق المفاوضات بعد أربع عشرة جولة أي تقدم حتى في تلك المسارات، ووقفت قضية توصيل الإغاثة وتبعاتها عقبة كؤود أجهضت كل المساعي التي بذلت.. لذلك تبدو فرصة إنعاش المفاوضات كبيرة من خلال جولة أبريل القادمة، ولكن مسألة التوصل لاتفاق سلام تبدو بعيدة في الوقت الراهن ولا ينتظر الوصول إليها خلال ما تبقى من العام الجاري، وربما تم التوصل لذلك قبل إجراء الانتخابات في 2020.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية