* وحينما تغني أم كلثوم (أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غد.. يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد).. يتمايل النيل طرباً.. وتهتز أغصان المودة بين شطري النيل.. ولا تزال كلمات ابن الهلالية الهادي آدم يرن صداها في الإذاعات والقنوات العربية والعالمية، تذكر الناس والعرب أن بالسودان شاعراً أخذ بألباب سيدة الغناء العربي، وقدمت له الدعوة إلى القاهرة حتى تغني له إحدى قصائده .. ويتبعها ملك الكوميديا عادل إمام وملامحه الوادعة تشرق متحدثاً عن السودان: (السودان دي بلد عجيب .. أنا ما شفتش بلد بيضحك زي السودان .. وماشفتش شعب بيعشق الضحك زي السودان).
* ثم النجمة شيرين عبد الوهاب تقفز فرحاً.. وهي ترى محمد الطيب الفتى السوداني الأبنوسي.. واقفاً بسمته العسلي وضحكته الطفولية في أشهر البرامج الغنائية العربية..ولا تملك بفطرتها القوية سوى أن ترسل أطناناً من الحب ظهر فطريا في نبرة صوتها ولمعان عينيها..وسبقت ذلك برعايتها للموهبة نايل وبعده أمجد شاكر.. في وقت كانت نبرة السخرية تتبدى من المغنيين اللبنانيين والخليجين تجاه المواهب السودانية…
*ومؤخراً.. حين تحتجب كل الأصوات العربية عن الالتفات لأغنية فنان أفريقيا الأول محمد وردي التي تغنت بها الموهبة سير عابدين.. ضغط محمد حماقي على زر الالتفات كأنما (لمس الصوت) أعصابه وتكوينه الفطري العاشق لإخوته في النيل.. ويكون هو الوحيد الذي لفتته (اللهجة السودانية) فيضمها في غير تردد إلى فريقه..ويتبع ذلك بالتفاتة أخرى للموهبة لينا قاسم وسنمنحها آخر فرص فريقه في ضم المواهب..
*وحينما يكتب العقاد عن حب السودان ويعيش حافظ إبراهيم في أحد الأقاليم ولا يزال منزله مزاراً سياحياً..وحينما تحتضن القاهرة جواهر ومحمد السني دفع الله وسعيد حامد وستونة والآلاف من الباحثين عن العلاج والهجرة إلى أوروبا..لا نعتقد أن كل هذا الجرف الهادر من المشاعر الايجابية كان مجرد نفاق .. ولكنه تفاعل إيجابي تخلَّق فطرياً.. لم تقو كل الآلات الإعلامية السلبية أن تقضم من رصيده شيئاً..
*وفي الصبا كان صوت حليم وضحكة يونس شلبي وسمير غانم وسعيد صالح وأفلام أحمد زكي وحسين فهمي وروايات الشياطين الـ13 التي كان صور فيها القاص عثمان السوداني أذكى الشباب في فك طلاسم الألغاز..والمغامرون الخمسة.. ومجلات ميكي وسمير وروز اليوسف وصباح الخير وروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ومسلسلات ليالي الحلمية وارابيسك وزيزينيا والشهد والدموع وجبروت يوسف شعيب ومحمود المليجي وشهامة صلاح السعدني وسيد عبد الكريم وبطولة عبد العزيز مخيون تمثل مرحلة مهمة للغاية في تكوين العقل ..والوجدان السليم..
* وحينما تغني ندى القلعة وسط الآلاف وسط القاهرة التي تمنح عبقها واهتمامها لمغنية سودانية، في وقت قلما تهتم الدوائر الرسمية هناك بمطربين قادمين من دول أخرى.. يظهر ذلك أن العمق الشعبي هناك يدين بولاء الحب لبني جلدتهم في جنوب الوادي..
* هذا هو العمق والوجدان الذي التصق لعهود طويلة..هو الإيقاع الشعبي الذي تهتز على دقاته رقصات الحب متى ما ادلهمت الخطوب..
* ولهذا لن تنجح كل محاولات التفريق والتخوين بين شعبي النيل..قد تتأثر بفعل إعلام منفلت في مصر..ولكنها لن تلغي كل هذا الترابط التاريخي والتأثير الإيجابي..
*لن تمحى كل هذه السنوات الطوال من الألفة والتعاضد أوقات عصيبة بين البلدين مهما صغرت وتعالى فيها الخطاب التعبوي ضد البلدين.. فالبقاء دائماً للحب والكراهية ليست سوى عارض وفتي..
*ولن تمنع هذه المشاعر الايجابية من التضحية بأرواحنا لأجل تثبيت ان (حلايب سودانية)..