الخرطوم – ميعاد مبارك
تزامن مثير لزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” وزيارة مدير المخابرات العامة المصرية بالوكالة اللواء “عباس مصطفى كامل” للخرطوم التي التقى خلالها المسؤولان القطري والمصري برئيس الجمهورية وعدد من المسؤولين في ظل تعتيم إعلامي وإقصاء لمراسلي الصحف المحلية، فهل هذا التزامن محض صُدفة أم أنه قصد من وراء قصد؟ وما هي الأوراق التي يحملها كل من المسؤول القطري والمصري في حقائبهما؟ وهل يمكن أن تكون الخرطوم جزءاً من مبادرة سرية لتهدئة الماء العكر بين البلدين؟
مواقف قطرية داعمة للخرطوم
وصل مساء (السبت) إلى الخرطوم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني”، في زيارة استمرت ليومين التقى خلالها والوفد المرافق له وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور”، وحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر”، أجرى الوزيران أمس جلسة مباحثات ثنائية تناولت التعاون الثنائي في مختلف المجالات خاصة الاقتصادية والسياسية خاصة المختصة بتعزيز السلام والتنمية في دارفور، واتفق الجانبان على إنشاء لجنة تشاور سياسي تنعقد مرتين في العام بالتناوب بين البلدين.
الطرفان ناقشا أيضاً حسب “الخضر” التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي وسبل تعزيز التنسيق والتشاور في كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك.
“غندور” خلال اللقاء شكر قطر على مواقفها الداعمة لقضايا السودان .
#رسالة من “تميم” “للبشير”
“غندور” ووزير الخارجية القطري انتقلا بعد نهاية مباحثات الخارجية إلى بيت الضيافة، وبعيداً عن أعين الإعلام الذي منع من دخول بيت الضيافة، سلم المسؤول القطري للرئيس “البشير” رسالة من أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” هي الثانية من نوعها خلال اقل من شهر.
# وفي تصريحات عقب اللقاء ، قال وزير الخارجية القطري: (نقلت للرئيس “عمر البشير” رسالة شفهية من الأمير “تميم” حول العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها)، مشيراً إلى أنه ناقش مع “غندور” المشاريع المشتركة بين البلدين وآلية توسيعها فضلاً عن متابعة استحقاقات اتفاق الدوحة ومتابعة عملية السلام في دارفور.
وأبدى “عبد الرحمن” سعادته برغبة المزيد من المجموعات التي تريد الانضمام للاتفاقية، مشيراً إلى أن ذلك في سبيل استتباب الأمن في السودان.
وكشف الوزير القطري عن اتفاق الجانبين على تحديد اجتماع متابعة في اقرب وقت ممكن وتشكيل لجنة للمشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية في البلدين لمتابعة المشاريع المشتركة من جانبه شكر “غندور” الحكومة القطرية على الدعم والمساندة التي ظلت تقدمها للسودان، ووصف اتفاقية الدوحة بأنها كانت السبيل لسلام دارفور.
وقال وزير الخارجية إنه ناقش مع نظيره القطري إكمال ملف الدوحة خاصة ما يلي إعمار دارفور، مشيراً إلى لقاء “عبد الرحمن آل ثاني” بمسؤول ملف دارفور “مجدي خلف الله”.
وأكد “غندور” تطلعه للمزيد من التقدم في العلاقات الثنائية، مشيراً إلى أن لجنة التشاور السياسي بين البلدين ستنعقد كل ستة أشهر لمناقشة العلاقات بين البلدين وكل ما يستجد في عملهما المشترك.
# علاقات ممتدة…
“نهار عثمان نهار” قال في تصريح لـ(المجهر) إن زيارة وزير الخارجية القطري، دلالة على أن العلاقات بين البلدين ممتدة ومميزة، مشيراً إلى موقف السودان من أزمة الخليج وموقف الخرطوم حول تقريب وجهات النظر بينهم والقدرة التي يمتلكها للمساعدة في هذا الصدد.
“نهار” أشار إلى أن قطر والخرطوم ناقشتا خلال الزيارة إسهامات قطر فيما يلي ملف السلام في دارفور ووثيقة الدوحة، وتوقع أن تكون مقدمة لدفع الحركات للجلوس والتفاوض، لافتاً إلى أنها زيارة طبيعية في إطار التشاور.
وأضاف: (قطر لديها مساهمات فاعلة في كافة أنحاء السودان)، مشيراً إلى مشاريع الإنعاش المبكر، التي بدأت منذ حوالي سبعة أعوام، مشيراً إلى أنها سانحة جيدة للوقوف على هذه المشاريع وتأكيد الدعم القطري الفاعل في مجال التنمية.
#أهمية التواصل
وبالتزامن مع زيارة الوزير القطري تأتي زيارة مدير المخابرات العامة المصرية بالوكالة اللواء “عباس مصطفى كامل”، للخرطوم التي بدأها أمس الأول بدعوة من مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق أول مهندس “صلاح عبد الله محمد صالح ” .
والتقى “عباس” رئيس الجمهورية، المشير “عمر حسن البشير”، في بيت الضيافة بحضور “صلاح قوش” وبحث اللقاء أهمية التواصل بين البلدين.
# إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح..
واجتمع المسؤول المصري بوزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” وحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر”، ناقش الجانبان أهمية التنسيق المشترك على ضوء ما أقرته اللجنة الرباعية لوزراء الخارجية ومديري الأمن في البلدين .
وقال مدير المخابرات المصرية إن هنالك إرادة قوية للسير في طريق تهيئة كل الظروف للعودة بعلاقات الخرطوم والقاهرة إلى مسارها الصحيح، مشيراً إلى أن التحديات في المنطقة تفرض على البلدين التواصل وسرعة الاستجابة للأحداث والمواقف المختلفة ومعالجتها حتى لا تتحول إلى معوقات تؤثر على علاقات البلدين وإنه يجب التوافق على اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة والوضوح في كل الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وقال المسؤول المصري إنه متفائل بأن الأمور ستمضي في المسار الصحيح.
# الأمن المصري يمثل أمن الأمة
وزير الدفاع الفريق أول ركن “عوض محمد أحمد بن عوف” قال في بيان السبت إن العلاقة بين السودان ومصر علاقة مهمة، وإن الأمن المصري يمثل أمن الأمة ومن الواجب حمايته وإنه يتوجب تشكيل كتلة لحماية الأمن الإقليمي في ظل المهددات والتحديات التي تواجه تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والإقليم، لافتاً إلى أهمية التنسيق وتبادل المعلومات لحماية الحدود واستلهام تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية، التى وصفها وزير الدفاع بالنموذج الناجح في جوانب عدة.
# الملف الأمني..
يرى الملحق الإعلامي السابق للسودان في القاهرة، المهندس “عبد الرحمن إبراهيم”، أن الأجواء بين البلدين شهدت توتراً واضحاً في الآونة الأخيرة على المستوى الدبلوماسي والأمني والشعبي والإقليمي، مشيراً إلى أن هذه الأجواء ليس هنالك إجابة شافية حولها إلا عبر الملف الأمني، منوهاً إلى أن القاهرة تتعامل مع الخرطوم كملف أمني.
“عبد الرحمن” أشار إلى أن مدير الأمن المصري يملك كل الملفات وكل الإجابات، لافتاً إلى أن الرجل مقرب من الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” أنهما تزاملا في المخابرات الحربية، وإن “كاملاً” كان مدير مكتب “السيسي” ومبعوثه الخاص لعدد من الدول خاصة الخليجية وكاتم أسراره، لافتاً إلى أن ابتعاثه في هذا التوقيت يمثل احتراماً كبيراً لدعوة “قوش” ومبادرة إيجابية.
وقال إن الندية التي يتعامل بها “قوش” والإلمام بالملفات يضعانه في موقع تقدير مصري حيث إن العلاقة بين مديري المخابرات مبنية على الندية والمعرفة.
#عودة السفير “عبد المحمود” إلى القاهرة
ويرى الملحق الإعلامي السابق أن هذه الزيارة جاءت بعد خطوة إيجابية، حيث عاد السفير “عبد المحمود عبد الحليم” إلى القاهرة لممارسة مهامه بعد استدعاء الخرطوم له في وقت سابق، منوهاً إلى أن كل المؤشرات تشير إلى أن البلدين في مسار تصحيح العلاقات .
#رسائل
“إبراهيم” يعتقد أن هنالك عدداً من الرسائل التي يمكن قراءتها في هذه الزيارة أولها الزخم الذي حظيت به والترحيب السوداني، حيث انخرط المسؤول المصري في عدد من اللقاءات مع رئيس الجمهورية ووزيري الخارجية والدفاع ومدير الأمن، الأمر الذي يوضح أن الخرطوم أرادت أن توصل للقاهرة رسالة ترحيب، ومن الرسائل التي يمكن قراءتها أيضاً أن الخرطوم أرادت أن توضح أن الدولة السودانية في كافة مؤسساتها على قلب رجل واحد، وتسير وفق رؤية موحدة وخط متسق في علاقاتها مع القاهرة وإنه لا وجود لأي تقاطعات بينها.
ولعل الرسالة المتبادلة بين الخرطوم والقاهرة، هي رسالة حول ضرورة وضع حجر الثقة لتأسيس مستقبل العلاقة بين البلدين.
#الحلول
“عبد الرحمن” نبه إلى أن التفاؤل بحلول كاملة من البداية أمر غير واقعي، مشيراً إلى أن هنالك العديد من المطلوبات ولا توجد حلول مباشرة للقضايا العالقة بعد، ولكن الزيارة يمكن أن تكون بادرة ثقة تعزز الإيجابية، مشيراً إلى أنه لا يمكن تأسيس أي مسار لإصلاح العلاقات بين البلدين بدون ثقة، وإن التواصل يمكن أن يمنح البلدين فرصة لوضع بعض الملفات في إطارها الصحيح والنقاش حولها، وبناء حوار مبني على الاحترام المتبادل _من هذه الملفات على سبيل المثال إعادة ملف سد النهضة لإطاره الفني، ومناقشة قضية حلايب بناءً على الأعراف الدولية بعيداً عن المهاترات السياسية ومحاولات التقليل من احترام البلدين_
وأضاف: (الخرطوم تمد يدها بيضاء للقاهرة وهذا لا يعني التنازل ولكن يعني الحوار البناء.
#القوات المشتركة
الملحق الإعلامي السابق في سفارة الخرطوم بالقاهرة، المهندس “عبد الرحمن إبراهيم” يرى أنه في ظل بناء الثقة بين البلدين يمكن الحديث عن تعاون أمني، ولكن القفز إلى مسألة قوات حماية الحدود المشتركة يعتبر أمراً بعيداً.
أما فيما يلي قائمة المناوئين التي سلمتها الخرطوم للقاهرة حسب ما قال سفير السودان، هنالك “عبد المحمود عبد الحليم” فهو يرى أن الثقة المتبادلة هي الحل حيث لن تحتاج القاهرة في ظلها للاحتفاظ بمناوئين للخرطوم، مشيراً ألى وجود مكاتب للحركات هناك ونشاط سياسي ظل إيقافه مطلباً من مطالب الخرطوم وإنه أمر غير مقبول .
# ما بين زيارة وزير الخارجية القطري ومدير المخابرات المصري…
ولعل التزامن بين الزيارتين مثير للجدل والتنقيب حيث لا يمكن إفلات احتمال قرن الزيارتين فهل تقود الخرطوم مبادرة إصلاح أم أنها محطة لقاء للطرفين في إطار مبادرة تقودها أطراف أخرى عربية وأجنبية، وهل سيلتقي الوزير القطري ومدير المخابرات المصري وما هو مدى احتمالية الصُدفة أو الإرادة الفاعلة للقاء مدبر خاصة في ظل إقصاء مراسلي الصحف المحلية والتعتيم الإعلامي الذي يلحق الزيارتين ويضعهما في بطن استفهام كبير!
“عبد الرحمن” يرى أنه لا وجود لعلاقة بين الزيارتين، مشيراً إلى أن الأزمة في الأساس خليجية وأن مصر تمحورت فيها وأن الخرطوم أكدت تأييدها للمبادرة الكويتية وبالتالي استبعد أن تفتح الخرطوم مساراً آخر، معتبراً نشاط الزيارات دلالة على عودة السودان بقوة لمحيطه الإقليمي الأمر الذي جعله محطاً لعدد من الزيارات أساسها ومنطلقها التأثير على المشهد الإقليمي الأفريقي والعربي.
ويميل “نهار” لما قال “عبد الرحمن”، ولكنه أشار إلى قدرة الخرطوم على ردم الخلافات، مشيراً إلى أن السودان لديه علاقات أزلية مع محيطه الإقليمي وليس بمستغرب أن تمر بصعود أو هبوط، لكن الثابت حسب وجهة نظره هو قدرة الخرطوم على (ردم الفرقة) بين الفرقاء.