شارع الحوادث
كثير من صفحات السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي تحتوي على مبادرات إنسانية ولافتة للغاية، وقد ظللت كثيراً أتتبع تلك التي تعني بتلبية احتياجات من طارئات الأعراض الطبية والأدوية، وقد تخصص مبادرة باسم شارع الحوادث في هذا مع مبادرات أخرى لأشخاص يتطوعون عادة بالتنسيق بين أبنائنا بالخارج، من أجل جلب دواء غير موجود بالداخل أو إيصال تقرير طبي أو الاقتراح بمشفى. وكثيراً ما ينشر أحدهم حزمة من الاحتياجات المطلوبة لصاحب إشكال طبي بالمستشفى سواء كان بالخرطوم أو في أي مكان من السودان، فيتداول أصحاب الصفحات بالمشاركة بالنقل والتتابع المسألة إلى أن تحل.
أغلب هذه الأنشطة تطوعية واجتهادات شخصية الجامع بينها البعد الإنساني، والمبادرة بها من شباب صغار السن بعضهم قد يكون مقيماً بالخارج أو بالداخل، ولكنهم يلتقون حول الفكرة والمقترح وقد لا يكون بعضهم قد رأى الآخر أصلا أو يعرفه. وهو ما يعلي من أسهم ونصاعة سمو المبادرة وكونها خالصة من أوضار الرياء والسمعة أو التكسب. وإني وددت ورغبت وكم تمنيت لو أن بعض الجهات المعنية بمثل هذا الحقل، لو أنها تتبعت مثل هذه الأعمال ودعمتها، ولا أعرف ماذا تفعل المكاتب التنفيذية لبعض الوزراء ورجال الأعمال وأهل اليسار حين يغيبون في مثل هذه المناشط، ويحضرون فقط تلك التي تعود عليهم بالضجيج والأضواء مثل بعض رجال الأعمال الذين يتبرعون لإعانة مبدع، ويحرصون على تمرير ذلك للصحف والتشديد عليها بالنشر في المواقع المناسبة!
شبابنا ينجز حقيقة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أعمالاً بعضها جد عظيم، وقدم هؤلاء إيثار أهلهم وتكافلهم إلى المدونات والصفحات وصار من السهل والميسور للبعض إطلاق النداء بحاجتهم لدواء أو أي غرض طبي عبر (الفيس) فيجدون إجابة وعوناً أكثر من مطاردتهم للصيدليات ومنافذ بيع الأدوية والتي صار سوقها نفسه مهدداً، وهكذا يثبت شبابنا أن آفاق تلك المواقع يمكن أن تكون ممتدة وشاملة لأعمال مفيدة، وأن ما كل دفق الانترنت شراً ففيه متسع للخير وبذل مساعي النبل والتعاون على البر.
لو كنت ناصحاً للشباب لدعوتهم لتحشيد جمعهم الإلكتروني هذا وتنظيمه في منظمة كبرى تحرص على هذا الانتشار الخيري عبر الانترنت، ولا تتقيد بالأنساق القديمة لشكل المنظمات والعمل الخيري ومؤسساته والتي صارت جهات تتحدث بأرقام كبيرة وأنشطة أغلبها تصورات وخرافات لا يراها الناس، عكس مبادرات مثل (شارع الحوادث) أو (طفلك) أو غيرها أو (وفر دواء)، وكلها أنشطة خفيفة ومتحركة ومصوبة مباشرة بين صاحب الحاجة والمتبرع دون تطاول في الإجراء أو غموض في كامل مسير العمل. إن عملاً كبيراً وطيباً مثل ما يفعلونه يجب أن يتحفظوا فيه للتاريخ ولأنفسهم بحق السبق والريادة. وكم من أسرة فرج الله كربها على أيديهم، وكم من مريض أعانه أولئك الصغار والذين تعلو همتهم وقاماتهم بأعمال الخير تلك.