التحصين السياسي
{ الذين خرجوا ظهر الجمعة لاستقبال الرئيس “البشير” بمطار الخرطوم لم يخرجوا بإعلانات بثها التلفزيون ولا كروت دعوة مدفوعة القيمة.. هؤلاء هم الداعمون للسلام والاستقرار والرافضون للحرب والموت والدموع والأحزان.. لم تقرأ الحشود التي خرجت ظهر الجمعة الماضي نصوص الاتفاق، ولكنها قرأت في عيون موقعيه من السودانيين الشماليين والجنوبيين الرغبة والعزم لتجاوز حقبة الصراع.
{ أثبت تيار السلام مرة أخرى داخل المؤتمر الوطني وفي القطاعات المستنيرة، أنه غالب وباسط يديه وذراعيه في الساحة، وأن دعاة الحرب وتجارها في الشمال والجنوب يلوذون بالصمت ساعة الحقيقة، ويؤثرون الظلام مقاماً ولا يطيقون ضوء السلام.. ودعاة الحروب وتجارها والمستثمرون في مناخات الموت والنزوح والدموع، يمتد وجودهم عبر التاريخ الإنساني، وهؤلاء لم يسقطوا (المنديل) لكنهم يملكون مقدرة فائقة على (السكون) لحظة العواصف، يمارسون الانحناء والركوع والسجود حتى تنقشع ما يعدّونها أزمة، وتجار الحرب ودعاتها متنفذون في السلطة لهم عيون يبصرون بها، وأيدٍ يبطشون بها، وحاشية من المريدين والمستفيدين ينفذون ما يؤمرون به من سادتهم!!
{ أعداء السلام والمتربصون بأية اتفاقية، ليست الأقلام التي تكتب بضمير صادق ولا الأقلام التي تكتب (بتربص)، ولكن أعداء الاتفاقيات التي توقعها الحكومة يتخذون الحكومة أماً لهم وأباً شرعياً يقطنون مساكنها ويأكلون من موائدها، ويركبون فاره مركبها، ويعملون ليل نهار لإجهاض مشروعاتها.. يهتفون بلسان ويضحكون بلسان و(يخربون) بلسان.. وما أهلك اتفاقية (نيفاشا) ووأدها في جب عميق، وقسَّم السودان إلى دولتين إلا أولئك المقربون من القصور، النافذون في الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، المستفيدون من الحرب وعائداتها ومخازيها..
{ خرجت في جنوب السودان تعابين من ظاهر الأرض وباطنها، وتولى “ملونق” حاكم شمال بحر الغزال (وزر) مناهضة اتفاق أديس أبابا، وغداً تخرج في الخرطوم عقارب وصراصير تقف مثل موقف “مولنق” تحدث الناس عن (تنازلات)، وتصف رجال السلام الذين صاغوا الاتفاقية في (ليل) الأسى بأقزع الأوصاف، وتتنامى التيارات هنا وهناك حتى تسقط الاتفاقية وتتبدد في الفضاء وتعود مناخات الحرب والدمار!!
{ هل تتعلم الحكومة في الشمال من تجربة (نيفاشا) حيث عهد بتنفيذ الاتفاقية إلى من هو غير مؤمن بها.. وتصديقاً لمقولة رددها شاعر مؤتمر الخريجين “علي نور” في القرن الماضي حينما وصف السودان بأنه بلد كل امرئ يحتل غير مكانه، يمنح المال للبخيل والسيف للجبان.. فهل (تسند) الحكومة هنا لمن (وقعوا) الاتفاقية مهمة تنفيذها؟ أم تتركها لجهاز الدولة (البيروقراطي) فتموت كما ماتت عشرات الاتفاقيات، وينجح مرة أخرى أعداء السلام ودعاة الحرب ونافخو كيرها وحاملو (مباخرها)، في تحقيق مآربهم حتى لو كانت موجهة للرئيس نفسه بضرب إنجازه وتبديد صنعه كما بددوا ما صنعه “علي عثمان” من قبل؟!