تأسفت وأنا أطالع يوم أمس، أخباراً غير سارة، بل حزينة، أحدها عن انعدام جميع أصناف العلاج النفسي والعصبي بالصيدليات قبل أكثر من شهرين، حسبما أدلت المدير الطبي لمستشفى “بعشر”، هذه الأمراض شأنها شأن بقية الأمراض المزمنة التي يمكن أن تكون النتيجة المباشرة لانعدام العلاج، هو تدهور الحالة الصحية للمريض، وبالتالي ربما تؤدي إلى الوفاة.
ليس هناك من سبب لكل هذا التدهور المريع الذي يصل إلى تهديد حياة الآلاف من الذين يعانون اضطرابات نفسية، سوى الاضطراب الاقتصادي والتخبط الذي وصل بنسبة الضخم في البلد إلى رقم خرافي هو (52%)، لا أعرف أين هم المسؤولون عن هذه الملفات من الدستوريين والتنفيذيين على وجه الخصوص، سواء كان وزير الصحة أو وزير المالية أو محافظ بنك السودان أو غيرهم، والسبب معروف هو شح العملة الأجنبية لاستيراد هذه الأدوية وغيرها من الأدوية، وكأنهم يعتبرون أن هذه الأمراض أقل تأثيراً من الأخرى، وهم لا يدرون أن الأغلبية من أولئك المصابين بالأمراض النفسية، هم من شريحة الشباب الذين سُدت عليهم السبل وحار بهم الدليل في ظل مستقبل مظلم، يخبرهم فيه البعض من ذوي الدخل المحدود، أنهم عجزوا عن توفير رغيف بعدد أفراد الأسرة ووو…!
والسؤال المهم هنا.. هل ترفع الجهات المسؤولة عن الدواء سواء كانت هيئة الإمدادات الطبية أو حتى المستشفيات العامة، تقارير بهذا الوضع المزري، إلى كبار المسؤولين في الحكومة.. وهل يكتفي هؤلاء بما يردهم من تقارير ربما تصيب أو تخطئ و(يقرضوا) عليها؟!
المسؤولية الأخلاقية تقتضي أن يغادر كل من يعجز عن تنفيذ عمله، موقعه غير مأسوف عليه، ولكن هؤلاء لا تحدثهم أنفسهم عن الفشل الذي يحيط بهم.
وغير بعيد عن هذا الخبر المحبط اطلعت أمس، على تقرير مخيف يعكس واقعاً مظلماً للكثيرين من فئات الشباب أيضاً وإحدى اختصاصيات علم الأجنة تكشف النقاب عن تزايد كبير في نسبة العقم وسط الشباب من الرجال تصل لـ(65%)، تخيلوا ذلك الحديث صادر من أهل الشأن والعلم، والمؤسف أنه ناتج لتعرض معظم هذه الفئات للأعمال الشاقة، ولتلوث الغذاء والجو!
كتبت من قبل في هذه المساحة أن واحدة من نتائج التدهور الاقتصادي هو ظهور المهن الهامشية، وأغلب المهن الهامشية هي تلك التي يتعرض فيها الشباب للجهد الكبير، وهذا الجهد يقود إلى هذه المحنة.
الخبران أعلاهما مؤشر خطير يشير إلى أن الوضع بات مأزوماً إلى حد كبير، يحتاج لتدخل عاجل غير آجل، والله المستعان.