رئيس هيئة علماء السودان بروف "محمد عثمان صالح" في حديث بلا مسكنات (1-2)
هذه هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انضمام الشباب إلى (داعش)
لا نخجل من أن نكون علماء سلطان إذا كان السلطان ماشي صحيح
بعض الحاقدين وأصحاب الأجندة قد يتسللوا إلى المظاهرات ويقتلوا طالباً
حوار – محمد إبراهيم الحاج
رغم ملامحه التي تميل في كثير من الظهور الرسمي للصرامة والجدية، إلا أن رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور “محمد عثمان صالح”، رد على كثير من الأسئلة الساخنة التي وضعناها أمامه بوجه مفرود وبسمة لم تفارق محياه حتى نهاية حديثنا معه الذي امتد قرابة الساعة من الزمان.
كثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد والفتوى التي عادة ما يتناقلها الناس عبر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تخرج من بوابة هيئة علماء السودان تثير جدلاً واسعاً ما بين مؤيد ومعارض لها تحرك كثيراً من الساكن الاجتماعي والسياسي، سألنا منها رئيس الهيئة ورد عليها بوضوح كبير، ورغم أن بدايات الحوار دائماً ما تكون لطيفة وتبعد عن القضايا الشائكة، إلا أننا فضلنا أن نبدأ حديثنا معه بأكثر القضايا الملحة التي تؤرق بال الكثيرين عن التطرف الديني الذي تغذي كثيراً في المجتمع السوداني على وجه الخصوص وبالمجتمعات العربية إجمالاً خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مؤخراً، وكانت ردود رئيس الهيئة واضحة بها كثير من القراءات العلمية، نطالع معاً إفاداته:
* بداية كيف تنظر إلى حال الإسلام والمسلمين؟
– أولاً أؤكد أن أي مسلم يؤمن بالله تعالى وبرسوله، ويعرف تاريخ الإسلام والمسلمين، ويعرف العزة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، ومن يرى حال المسلمين يصاب بصدمة لا شك في ذلك، لأنها كانت أمة واحدة.. (هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) و(وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) و(وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) حسب الآية والآية الأخرى، واقع الأمة واقع مؤلم، وكل مسلم الآن يرى أن هذا الواقع ينبغي أن يتغير، والآن نحن بفضل الله سبحانه وتعالى في منهج وسطي ندعو إلى تغيير هذا الواقع من حيث سلوك الأفراد والجماعات والحكام بمنهج وسط هو الذي أمر الله سبحانه وتعالى وهو (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
* انتشرت كثير من دعاوى التطرف الديني مؤخراً؟
– التطرف نوعان، تطرف بغلو في الدين، وتطرف في البعد عن الدين، ونحن في هيئة علماء السودان يوافقون على الرأي الذي يقول إن التطرف في الدين فيه خير ولا البعد عن الدين إلا هو شر مستطير، وهؤلاء الشباب الذين تطرفوا تظهر عدد من الأسباب لهذا التطرف، السبب الأول هو سبب سياسي وهو عدم الاحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى والطغيان وعدم الشورى وعدم الحرية وانعدام العدالة الاجتماعية هو ما ولد هذا الشعور بضرورة تغيير الواقع، أيضاً لابد أن نذكر فعل الآخرين من أعدائنا الذين يؤججون هذه النيران بأية وسيلة من الوسائل حتى يغلو الجو السياسي في البلد.
* ولكن بعض الشباب العربي أوجدوا ثورات الربيع العربي لمناهضة هذا الغبن؟
– ثورة الربيع العربي كانت لديها أسباب سياسية واقتصادية وداخلية، لكن استغلها أعداؤنا وجعلوها تفشل، فقد كان من المتوقع بعد نهاية حكم الحكام الأربعة في البلاد الأربعة أن تأتي الحرية والشورى، وأن يكون للشعوب مكانة، ولكن ذلك لم يحدث لأن التجاذبات والإغراء بين الناس في أن يتصارعوا صراعاً طائفياً وجهوياً، أوجد هذه الحالة، ولهذا فشلت تلك الثورات والغرض السياسي من التغيير لم يحدث.
* وماذا حدث بعد ذلك؟
– هذا استغله هؤلاء (الدواعش) عايزين دولة إسلامية تقوم على منهج النبوة وترفع الرايات.
* ولماذا جذبت (داعش) الشباب بهذا الشعار؟
– لأسباب اقتصادية.. وهي أن الدول القائمة على الأمر في المنطقة لم تدبر معاش الشعوب واقتصادها بالصورة التي تقدم للأمام، على سبيل المثال الدول الزراعية التي تذخر بالموارد مثل “مصر” و”السودان” وغيرها، الحياة فيها دون المتوقع لم يكن هناك استثمار للموارد الزراعية أو المعدنية وغيرها، ولأجل ذلك فإن الأوضاع الاقتصادية تمضي إلى التردي، وهذه هي الدول التي تقع في خط الفقر.
* ولكن هناك دولاً غنية؟
– إذا نظرنا إلى الدول الغنية التي تملك البترول لم تنظر للمستقبل حتى يكون هناك تصنيع أو تسليح أو قوة هي التي تجعل لهذه الدول والأمر العزة التي أرادها الله سبحانه وتعالى فإفراط هنا وتفريط هناك بين المجموعتين.
وهذا سبب اقتصادي مهم لأنه لا الدول التي تملك موارد اقتصادية استفادت منها ولا الدول التي لديها موارد مالية جاهزة وموجودة في الغرب استفادت منها، ولذلك الشاب الذي يرى الأوضاع سيئة هو عاطل، من الذي بدأ الثورات العربية؟، هو ذلك الشاب الذي قتل نفسه وده أسلوب خطأ، ولكن منها اشتعلت الثورة لأنه كان عاطلاً وكانت الدولة تطارده، فإذا كانت البلاد وفرت الحد الأدنى من الضروريات لم يكن يحدث ما حدث.
*هل ثمة أسباب أخرى؟
– هناك الأسباب الاجتماعية المختلفة التي يرى من خلالها هؤلاء الشباب في المجتمع بعد عن الدين مثل التبرج والمخدرات والخمور وفجور النساء في بعض البلاد على الأقل نحن حمانا الله لا توجد بارات مفتوحة وإباحية، ولكن في بعض البلاد توجد هذه الإباحية، فالشباب ديل أتحمسوا في “اليمن” و”سوريا” و”العراق” و”مصر” و”ليبيا” و”تونس” الذين رأوا هذه المظاهر السيئة، وهناك الأسباب النفسية، فهؤلاء الشباب حقيقة بعضهم قد يعاني من اختلال في أسرته أو في نفسيته، وكل هذه الأسباب مجتمعة جعلت هؤلاء يتطرفون ويصلوا إلى هذا الحد، والسبب الأخير مثلما قلنا من قبل هو استغلال الأعداء في السبب السياسي لبعض القيادات التي تنفخ هؤلاء الشباب بمعرفة أو بغير معرفة، بمعرفة هناك ناس عديل كده مخترقين من قبل المخابرات الأجنبية، وبغير معرفة، فإن بعض الأئمة والخطباء في المساجد يتحدثون ويشحنوا في هؤلاء الشباب، وهناك بعض المجموعات في الجامعات يعملون على تجنيد هؤلاء الشباب، وفي الحقيقة المنطق موجود إلى يخليهم يخرجوا، وده طبعاً من الجهل لأنه إذا كان هناك علم بالدين أن الخروج على الحاكم الذي يوجد فتنة أكبر من الذي كان لا ينبغي أن يخرج.
* من تقصد بالقيادات التي تنفخ في هؤلاء الشباب؟
– أنا لا اسمي ولكن موجودة في السودان ومصر وبعض الأماكن.
* هل تقصد قيادات دينية أم سياسية؟
– قيادات دينية.. السياسية دي خليها جانباً.. لكن نحن نتحدث عن ظاهرة الخروج على الحاكم وتكفير المجتمع.
* سبق أن أفتيت بعدم جواز الخروج على الحاكم.. فهل يحرم الخروج عليه حتى وإن كان ظالماً؟
– الظلم يقوم.. والرسول “صلى الله عليه وسلم” وضع لنا المنهج، فعندما سألوه: (ألا نخرج عليه) قال: (لا.. ما أقاموا فيكم الصلاة..لا.. إلا أن تروا كفراً بواحا)، بمعنى كفر عديل يعني يقول أنا لا أؤمن بالشريعة ولا أؤمن بالدين، ماعدا ذلك يقوم الظلم، أصلاً لا يكف الناس عن الظلم قدر الإمكان وحصل أن الأئمة الأماجد لعبوا هذا الدور الخطير مثل الإمام “أحمد بن حنبل” والإمام “مالك” والإمام “الشافعي”، وفي التاريخ الإسلامي الإمام “بن تيمية” و”بن القيم” و”العز بن عبد السلام” وكان يسمى سكان العلماء، والآن في واقعنا الدعاة الذين لم يخرجوا على الحاكم، ولكنهم جندوا كل الإمكانات الفكرية من كتابة وخطابة على أساس مقاومة انحراف الحكام.
* كأنك بهذا الحديث تنتقد الحركات الاحتجاجية التي قامت ضد الحكومة مثل المظاهرات؟
– أيوة نعم.. المظاهرات التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح وإلى الفوضى مثلما حدث في يوم الاثنين الأسود بعد مقتل “جون قرنق” وإذا قتل هنا أو هناك طالب سوف يحدث قتل أكثر، وأنا بالنسبة لي أرى أنه فتنة، والفتنة ينبغي أن تتجنب، ولكن أن ينظم المجتمع المدني نفسه مثل الجمعيات الثقافية أو الخيرية ويحتج ويقف ضد الظلم هذا شيء طبيعي جداً وينبغي أن يكون.. وأن يكون العلماء على رأس هذه المسألة إذا كان هناك ظلم أو طغيان، ولكن الخروج فتنة تؤدي إلى أسوأ منها.
* هل تعني الخروج على الحاكم بالوسائل المدنية أو بالسلاح؟
– الخروج على الحاكم بالسلاح، أما المطالبات فليس بها شيء.
* والمظاهرات المطلبية؟
– إذا كانت سلمية هذا لا شيء فيه، ولكن بعض العلماء وبعض الحاقدين قد يتسللوا وسط هذا ويحتاجون إلى شهيد ليصلوا إلى غرضهم ويطلقوا النار على أحدهم، وكثير من هذه المظاهرات لم يعرف القاتل الذي قتل، هل هي الشرطة أم واحد من بين المتظاهرين.
* ولماذا يحدث ذلك؟
– السبب أن بعض أصحاب الأجندة الذين يريدون الخروج على السلطان يمكن أن يستثمروا قتل رجل واحد مثلما حدث قبل ذلك في التاريخ.
* لكنكم في هيئة علماء السودان تتهمون بأنكم علماء السلطان؟
– هناك سلطتان.. سلطة العلم وسلطة الحكم.. وصنفان إذا صلحاً صلح الناس.. إذا صلح العلماء والحكام صلحوا فإنه سوف ينصلح حال الناس.. نحن لا نتخرج على الحاكم بهذا المفهوم كثير من الناس يقولوا علينا علماء السلطان.. لكن ينبغي أن يكون هناك أيضاً سلطان العلماء على الحاكم بالنصيحة والتوجيه، ولذلك نحن مع الحاكم عندما يسير على الطريق الصحيح.. وننصحه ونقومه ما دام ليس على الطريق الصحيح.. وما كل ما يمكن أن يقال يمكن أن ينشر على صفحات الصحف، نحن ننصح ونقارن حتى تصل الكلمة إلى آذانها وبعد ذلك من اهتدى فلنفسه.
* ولكنكم صممتم تجاه كثير من قضايا الناس الملحة مؤخراً مثل زيادة الغاز والكهرباء والمياه وغيرها ومفروض أنكم تقيفوا مع الشعب أكثر من وقفتكم مع السلطان؟
– أخي الكريم هيئة العلماء دي مجموعة ليست بالصورة التي يراها الناس.. علماؤنا منتشرون في كل المنابر.. منابر بفضل الله تعالى يتحدث العلماء.. نحن لسنا مع الفتنة.. لان الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.. والأشد هنا هو الفتنة والأخف هو أن تنصح وتوصل كلمة الحق للمسؤول.. استجاب لها فخير وإذا لم يستجب تكرر المحاولة مرة ومرتين وتلاتة، وهناك قضايا معينة يكون حدوثها من الابتلاء الذي يقع فيه هذا البلد بالضغوط الخارجية من محاصرة وأنت تقدر ما بين موقف أنك تهيج الشعب لكي يخرج ومن ثم تحدث الفتنة تعم وبين أن تنصح في الأماكن التي تنصح فيها من غير أن تقف على المنابر وتدعو للخروج من أجل الغاز.
* صراحة ما هو ردك على اتهامكم بأنكم علماء سلطان؟
السلطان ينبغي أن يستمع إلى العلماء.. والعلماء ينبغي أن يطيعوا الحاكم.. هذه القاعدة لا نخجل منها أبداً ويوم أن لا يستمع السلطان إلى حديث العلماء عليهم أن يوجهوه ويقولوا له الحق ودي نحن بنقولها من المنابر عندما لا تثير فتنة، ونقولها في الغرف المغلقة والاجتماعات، ونقولها في بياناتنا المهمة عندما تكون هناك قضية مهمة، ولا نخجل من أن نكون علماء سلطان إذا كان السلطان ماشي صحيح.
* هل برأيك أن السلطان ماشي صحيح؟
– ما ماشي صحيح في كل الحالات لكن زي ما قال واحد من شيوخنا…(والله انتو مافي المستوى لكن أحسن منكم مافي).
* يعني انتو علماء سلطان ولا لا؟
– نحن علماء الأمة.. ونحن الآن عضو فاعل في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فهل علماء المسلمين الموجودين الآن في كل أنحاء العالم تابعون لحكومة السودان، نحن الآن في اتحاد أكبر وهناك اتحادات أكبر، وبعضنا معارض للدولة، ومعظم العلماء الذين معنا هم علماء الوسط الذين لا يريدون الخروج على الحاكم لحدوث الفتنة، ولا يريدون أيضاً السكوت على الأخطاء، ولهذا نحن في موقف وسط بين هذا وذاك.