عودة “قوش” (2)
هل تعني عودة “صلاح قوش” مؤشراً لعودة ما يعرف بالحرس القديم؟ ومن هو ذلك الحرس؟.. وهل بالضرورة عودة الحرس القديم تعني فشل النخبة القابضة الآن على مفاصل الحزب والدولة؟
في مايو التي وضعها “زين العابدين محمد عبد القادر” في كتابه سنوات الخصب والجفاف (الثورة تراجع ولا تتراجع) وتحت هذا الشعار عادت طيور إلى أغصانها بعد أن طال غيابها؟ ولكن الإنقاذ لا تبرر قراراتها ولا تفسر أسبابها.. وقد انتهجت منهجاً.. لا يقدر جهد المغادرين.. بأن تصدر قرارات التعيين فقط.. ولا تمنح الوزراء السابقين فضيلة الإعفاء.
عندما غادر “مصطفى عثمان إسماعيل” الخارجية لم ينل شرف قرار إعفاء.. بل عين الوزير الجديد “علي كرتي”.. واليوم يذهب الفريق أول “محمد عطا المولى عباس” من منصب المدير العام لجهاز الأمن بعد سنوات من العطاء والبذل سار بقدميه على الأشواك.. واجه محنة الانفصال وتبعات حرب المنطقتين وانتخابات رئاسة الجمهورية، وحالات مد الحُرية وجزرها وانكماشها، وعاش محنة تظاهرات سبتمبر.. وتجاوز كثير من المطبات الصعبة والرياح التي هبت على سفينة الحُكم، وخرج “عطا” صامتاً وحتماً لن يغادر الرجل بعيداً عن حزبه وحركته الإسلامية التي جاءت به من مدير إداري بصحيفة (صوت الجماهير) الطلابية إلى أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد، ومكث مدة طويلة لم يمكثها مديرو جهاز الأمن السابقين بما في ذلك أستاذه ومعلمه وقائده “صلاح قوش”.
بعد عودة “صلاح” تردد في دوائر الحزب الحاكم أن نجوماً آخرين يحزمون الآن حقائب العودة منتصرين بعد أن طالهم التغيير بدعاوى التجديد.. وأكبر العائدين للساحة الشيخ “علي عثمان محمد طه” بعد أن قال كلمته بشأن ترشيح الرئيس “عمر البشير” الذي يواجه منحنيات ودقداق.. وحفر في طريق العودة لن يقوى على تجاوزها إلا أصحاب المهارات الاستثنائية في القيادة، ومن بين هؤلاء بطبيعة الحال الشيخ “علي عثمان”.. ولكن هل من قمة الجهاز التنفيذي أم قمة الجهاز السياسي والتشريعي؟ في الوقت الراهن لا حاجة لـ”البشير” تغيير أو تبديل قائد جهازه التنفيذي الفريق أول “بكري حسن صالح” بقدر حاجته لقدرات سياسية وعقلية قانونية وكاريزما في البرلمان تعيد ترتيب الأوراق.. وتنظيم الملعب.. لتعديل الدستور.. والبرلمان رغم وجود البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” إلا أنه يشكل نقطة ضعف كبيرة جداً وثغرة قد تهب منها رياح على النظام وحزبه ويصبح عقبة كئود في طريق تعديل الدستور الذي لا يملك المؤتمر الوطني الأغلبية التي تؤهله لتمرير التعديلات الجديدة.. وحتى نواب الأحزاب الصديقة.. والحليفة يشعرون الآن بأنهم في وضع يسمح لهم بفرض شروطهم وتمرير التعديلات (بلي ذراع) الوطني وفرض رؤيتهم عليه.
عودة “صلاح قوش” لها علاقة بالتطورات الإقليمية والدولية، فالرجل مد جسور الوصل مع الخليجيين وهو بعيد عن السُلطة وتعتبر العلاقة مع الخليج واحدة من النقاط التي عجز البروفيسور “إبراهيم غندور” في تطويرها وإحكام السيطرة عليها بعد مغادرة الفريق “طه عثمان” الذي كان يتخذ من العلاقة مع الخليج (حاكورة) خاصة به.. وإذا كان فريق الحكومة المفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية قد أخطأ التقدير في ترتيب أجندة الحوار مع المبعوث الأمريكي الأخير مما دفع الرئيس للاتجاه شرقاً لروسيا والقفز عالياً فوق الشروط الأمريكية، فإن “صلاح قوش” هو أول من فتح ثغرة في الجدار المسدود بين الخرطوم وواشنطون.. والملف الخاص بهذه العلاقة يتخذ من رئاسة جهاز المخابرات هنا في الخرطوم وهناك في واشنطون مستقراً له، وفي عهد “قوش” الجديد تتحرك رمال عديدة بين الفلوات والأرض اليابسة.