تقارير

يُتوج اليوم بقمة بين "البشير" و"سلفا كير": ماراثون المفاوضات الطويل يصل إلى خط النهاية

لم يتوقع أحد قط أن تتطاول فترة التفاوض حول القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، لتصل إلى أكثر من عام وتزيد عن الفترة الزمنية التي شهدها التفاوض حول اتفاقية السلام الشامل التي استمرت لـ(9) أشهر بين النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” ومؤسس الحركة الشعبية الدكتور الراحل “جون قرنق”, ولو كانا يدركان أن القضايا التي تركاها معلقة دون حل ستأخذ كل هذا الوقت والجهد والتوتر لحسماها منذ البداية، مع أن كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن اختراقاً سيحدث بشأن القضية الأمنية وقضية أبيي اللتين تقفان حجر عثرة أمام طريق المفاوضات, خاصة وأن رئيسي البلدين “عمر البشير” و”سلفا كير ميارديت” سيلتقيان هذه المرة وهما يدركان أنه لا سبيل أمامهما إلا تقديم تنازلات حقيقية لو أرادا تجنب مزيد من الضغوط من المجتمع الدولي الذي حدد اليوم الأحد كآخر يوم للتفاوض بين البلدين تحت رعاية الوساطة الأفريقية. كما يلاحظ أيضاً أن جنوب السودان استبق هذه القمة بتصريحات متفائلة وغير معتادة، حيث أعلن المتحدث باسم حكومة الجنوب “مريال بنجامين” عن استعداد بلاده لتقديم (كل التنازلات الممكنة) لتجاوز القضايا العالقة، وقال للصحافيين في جوبا يوم أمس: (إن سلفا كير حريص على اتخاذ قرارات حاسمة خلال لقائه مع البشير، وسيلتقي بالوساطة الأفريقية قبل أن يلتقي بنظيره السوداني). وتنسجم هذه التصريحات مع تأكيدات ساقها سفير دولة الجنوب بالخرطوم “ميان دوت وول” (للمجهر) الأسبوع الماضي قال فيها: (إن الجنوب حريص على علاقات حسن جوار مع الشمال، والمفاوضات يمكن أن يحدث فيها اختراق كبير عند عقد القمة بين الرئيسين سلفا والبشير). والملاحظة الأخرى الجديرة بالتوقف عندها هي تغيّر مواقف ولغة خطاب قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان– قطاع الشمال بعد عودتهم من العاصمة الأمريكية واشنطن ودخولهم في مفاوضات غير مباشرة مع الوساطة الأفريقية، حيث صافح “ياسر عرمان” و”مالك عقار” و”عبد العزبز الحلو” وفد التفاوض الحكومي وتبادولوا معهم الابتسامات, وهو ما لم يفعلوه قبل نحو أسبوع, كما أن “عرمان” قال للصحافيين: (إنهم مستعدون للتفاوض بدون شروط مسبقة من أجل إحلال السلام في كل السودان وليس المنطقتين فحسب). ويأتي هذا التقلب في مواقف– قطاع الشمال بعد زيارتهم المفاجئة لأمريكا ولقائهم بالمبعوث الأمريكي إلى السودان وجنوب السودان “برنستون ليمان” الذي يبدو أنه نصحهم بالدخول في المفاوضات المباشرة لأن عامل الوقت ليس في صالحهم. وبالنسبة لأبيي, يبدو أن طرح الوساطة الأفريقية بتقسيمها بين البلدين وجد ترحيباً من قبل الدولتين, حيث أكد القيادي بالمنطقة “عمر الأنصاري” قبولهم بمقترح التقسيم الذي تقدمت به الوساطة، وقال لـ(المجهر) خلال اتصال هاتفي: (نحن لا نرفض مبدأ التقسيم لكننا نريد أن يكون بحر العرب نقطة فاصلة، حيث تكون الجهة الجنوبية منه لدينكا نقوك, وتكون الجهة الشمالية للمسيرية على أن تكون الحدود واضحة حتى لا يحدث أي نوع من الصدام).
الأكثر من ذلك, أن مجلس الأمن الدولي عقد جلسة خاصة حول السودان وجنوب السودان يوم الجمعة, وطالب البلدين بالتوصل بشكل (نهائي وحاسم) إلى حل في القضايا العالقة بينهما. وتلا مندوب ألمانيا في المجلس البيان الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” الذي دعا فيه الخرطوم وجوبا إلى التوصل لنهايات ناجحة للتفاوض الذي ينتهي اليوم. من ناحيتها، وصفت مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي “كاثرين اشتون” لقاء الرئيسين (بالفرصة الفريدة لقائدي البلدين لوضع بلديهما في طريق السلام والتعامل وفق مصلحة البلدين)، مشددة على ضرورة إنهاء الصراع الدائر في جنوب كردفان وولايات النيل الأزرق في السودان ومعالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن القتال. كما أن عدداً كبيراً من المبعوثين والمستشارين والمعنيين بالشأن السوداني بدأوا بالتوافد على مقر المفاوضات في أديس أبابا، حيث وصل إليها المبعوث الأمريكي والبريطاني والصيني، ومن المتوقع وصول المزيد من المعنيين بالشأن السوداني إلى أديس خلال اليوم وغداً.
ومع جرعة التفاؤل هذه, لا تبدو الوساطة الأفريقية بقيادة “ثامبو أمبيكي” راضية عما يجري داخل أروقة التفاوض, حيث رُشحت أنباء من دبلوماسيين متابعين أن “أمبيكي” غير راضٍ عن نتائج التفاوض, وقال لمصادر قريبة منه إن قادة وفدي الطرفين المفاوضين لم يقدما الجهد المبذول لاختراق واضح في القضايا الأمنية, كما أبدى الوسيط الأفريقي عدم رضا من عدم بدء التفاوض المباشر بين وفد الحكومة وقطاع الشمال حول الأوضاع في المنطقتين. ودعا “أمبيكي” الوفدين إلى الجلوس فوراً إلى الطاولة دون شروط مسبقة ومناقشة كافة القضايا المطروحة. وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم الوفد الحكومي المفاوض “بدر الدين عبد الله” إن هنالك تقدماً في كافة مجالات التفاوض بما فيها الأمنية. وقال للصحافيين من مقر التفاوض: (إنه يأمل في أن ينجح الرئيسان في التوصل لاتفاق حول القضايا الأمنية، خاصة الخلاف حول الميل 14)، وتابع قائلاً: (الوساطة قدمت لنا مقترحات نراها جيدة لتجاوز هذا الخلاف ونحن ما زلنا ندرسه، وسيقوم رئيس وفدنا المفاوض “عبد الرحيم محمد حسين” بعرضه على الرئيس “البشير” حتى يتخذ قراره النهائي). ويعدّ رئيس تحرير صحيفة (الأيام) “محجوب محمد صالح” (مشكلة التفاوض الأساسية هي أنه كان يجب حل المشكلات المتعلقة بالحدود قبل وقوع الانفصال, والآن مع مزاعم كل طرف حول أحقيته بعدد من المناطق يبقى البت فيها أمراً صعباً). وتابع خلال حديثه لـ(المجهر) قائلاً: (اعتقد أن قضية الحدود يمكن تجاوزها في الوقت الحالي لأنه لا يمكن حلها بسبب التعقيدات الموجودة.. ومطلوب من الطرفين تقديم تنازلات حقيقية في القضايا الأخرى بما فيها موضوع قطاع الشمال بالجلوس والتفاوض معهم وحسم كل القضايا السياسية بشكل نهائي وكامل، لأنه لا معنى لاتفاق مع الجنوب وترك الأمور معلقة مع قطاع الشمال، فهذا يعني استمرار القتال في المنطقتين، وبالتالي سنعود إلى مربع الاتهامات مجدداً). 
وتعدّ الجولة الحالية هي الأخيرة، حسب قرار مجلس الأمن الدولي، الذي خول للوساطة الأفريقية متابعة عملها, وبعد انتهاء المهلة المقررة اليوم سينتقل الملف برمته إلى مجلس الأمن، وسيكون رئيسا البلدين مسؤولين عن أي اتفاق يوقعانه بعد أن تنفض الوساطة الأفريقية يدها عن الملف. وكانت الخرطوم وجوبا قد وصلتا لاتفاق حول عدد من القضايا العالقة، مثل تقاسم عائدات النفط, وتجارة الحدود, وتفعيل اتفاقية الحريات الأربع مجدداً، التي تتيح لمواطني البلدين حرية الحركة والتملّك والعمل والإقامة, كما استؤنفت حركة الملاحة الجوية بينهما بعد توقف دام خمسة أشهر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية