نوافذ

الحنين يا سيدي .. !

جمعتني ساعة زمان رائعة حقا بأسرة السفارة السودانية في العاصمة الصينية بكين.. كان معظم أسر السفارة ومبعوثيها حضوراً أنيقاً.. وكان العيد جميلاً رغم أنف الغربة ..
تذكرت هذا فجأة وأنا أحلق بأجواء جدة بعد غياب دام لعام ونيف.. تذكرت محور الحديث الذي قادنا لأنس جميل ونحن نتحدث عن الغربة والحنين…
أذكر وقتها مشاركة الملحق العسكري بأطراف الحديث المتحدث عن حنين الأماكن ..
الحنين الذي يغتصب الدمع من خدر العين ويستبيح حرمة الأماكن ويأتي كما يشاء.. متى يشاء.. وكيف يشاء ..
حدثتهم حديث من قُذفت الكرة في ملعبه.. حديث الحبوبات عن المغزل وفاطمة السمحة.. وحديث الأطفال عن الحلوى..
حدثتهم عن ذاكرة الحنين.. ذاكرة العطر.. ذاكرة الأماكن.. وذاكرتي التي خيرتني بين أن أذكرك أو أن تنساني هي ..
حاولت إقناعها.. بأن هذا يعد ابتزازاً في حضرة القانون ..
فصمّت أذنيها.. وأخرجت لسانها تماماً كما كنت أفعل وأنا طفلة كلما حاولت والدتي إقناعي بأن اللعب بالطين يسبب لي الحساسية التي لا تبرأ إلا بالكثير من الأدوية ..
رغم أنني كنت أعلم تماماً أنني سأعاني لشهر كامل بعد لعب الطين ذاك.. غير أن لهفتي لمكمّلات طفولتي تلك كان أقوى من نهمي للعافية ..
وذاكرتي كذلك..
تشفق على من ما يلم بي من ألم ذكراك القوية …غير أنها تدرك تماماً أنها تريح القلب وإن أطاحت عاصفة ذكرياتها بالقلب والروح ..
الحنين يا سيدي مرض حلو ..
فاكهة محرمة نتذوقها لنرضي غرورنا ونتعذب عقابا على فضولنا فيحتمل أبناء حبنا تبعات ذاك الفضول ..
أنا الآن في كامل ألقي في حضرة هذا الحنين ….
استنشق السنين كالمتشبث بآخر الدخان في سبيل إرضاء مزاجه المزعج ..
وأخرج ثاني أوكسيد الحنين الذي يلوث الجو بالكثير الكثير من الألم ..
كل فرحة قديمة مضت في حال سبيلها يؤلمك اجترارها كما يؤلم الأم مرض طفلها ليلا ..
تعجبني سيطرتي على مجرى ذلك النقاش الآن …بعد مضي نصف عام عليه.. لأن حنيني إليك كان حاضراً في هرم الدفاع عن الغائب الحاضر في أوج النسيان .

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية