أخبار

موت عروس

{ لماذا ماتت مدينة عروس الرمال وذبلت وبانت تجاعيد وجهها الصبوح قبل الأوان! هل المدن مثل النساء عطر وبريق ونضارة وذبول وشيخوخة، ثم الموت سبيل الأولين والآخرين؟ أم المدن تستمد أوكسجين الحياة والشباب من الإنسان خليفة الله في الأرض؟!
{ كانت عروساً تتبرج في حلتها الزاهية، مدينة تجارية وثقافية ورياضية وسياسية، لن تسع مساحة الزاوية لتعداد مآثرها وأفضالها وما قدمته لضروب الأنشطة الثقافية والاجتماعية، ويكفي (الأبيض) أنها أنجبت من الرياضيين “منصور تنقا” ومن الشعراء “ود المكي” ومن الاقتصاديين “بشير عمر”، ونمسك عن ذكر السياسيين فجيعة في مردودهم البائس لمدينة من حقها على الشعب السوداني أن تبقى على قيد الحياة، ومن حقها على أبنائها العتاب ولبن الثدي الذي أرضعته لفلذات أكبادها قبل أن (يعض) الابن ثدي أمه ويغسل يديه في رأسها الذي اعتراه الشيب!!
{ لماذا شاخت عروس الرمال؟ للسياسيين أجوبتهم التي تخدم أجندتهم الذاتية، فالسياسيون لهم قدرة فائقة على الاستثمار حتى في الموت، ولكن شهادة رجال الأعمال لا يقدح في صدقيتها إلا رجال الأعمال أنفسهم.
وحينما تصدر الشهادة من رئيس اتحاد أصحاب العمل بولاية شمال كردفان ينبغي الإصغاء إليها!
{ الأستاذ ” مالك الشيخ حاج محمود” رجل أعمال يهتم بالثقافة والشعر، وله في سهام الخير ما يجعله (شامة) وشمعة في ظلام مدينة (خانها) الساسة وباعها أبناؤها في رابعة النهار الأغر، لم يجد “مالك حاج الشيخ” حرجاً في وضع أصبعه على الجرح النازف حينما قال: (الأبيض ماتت ومهددة الآن بالزوال لأسباب اقتصادية، الجفاف ضرب كردفان في الثمانينيات، والعطش جعل المدينة طاردة، ومصفاة البترول لا تعمل إلا ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، ومن بين مائة مصنع في المدينة توقف (70) مصنعاً للمواد الغذائية والزيوت.
ولا يرثي “مالك” مدينته مثل “محمد الواثق” الذي لعن أم درمان (يا صوت دعني فما أم درمان منزلتي)، لكن (الأبيض) تواجه نقصاً في المياه جعلها تتنفس في فصل الصيف برئة واحدة، وحسب “مالك” فإن الرياضة كنشاط أهلي وثقافي واجتماعي، نهض في كل السودان على أكتاف رأس المال الوطني، كان لرجال المال أثر في (الأبيض)، يدعمون أندية الهلال والمريخ والموردة، واليوم كم منهم يحتاج إلى دعم وسوق المدينة العريق حاله ظاهر لا يخفِ على أحد!
{ يبرّر “مالك الشيخ” لحكومات شمال كردفان المتعاقبة، فشلها في النهوض بالمدينة والولاية لإحجام المركز عن دعم مشروعات لها مردود في كردفان، ثم يضع الرجل أصبعه في عين الشيطان ويقول الحرب في الجنوب الكردفاني تدفع ثمنها (الأبيض) قبل كادقلي، المستشفى واحد والجيب واحد والمصير مشترك، فكيف تزدهر اليد اليمنى واليسرى تعاني من الجرب؟!
{ (الأبيض) مدينة تموت الآن، فمن من أبنائها يتكفل بغرفة إنعاش لها قبل أن تلفظ أنفاسها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية