الديوان

عضو أول برلمان سوداني "يعقوب حامد بابكر": وهبنا رواتبنا للشعب.. وهذا سر لقبي (البرلماني المشاغب)

وعندما تأتي ذكرى استقلال السودان أول يناير من كل عام، يظهر مجدداً الخلاف حول التاريخ، هل هو بالفعل (أول يناير 1956م)، أم (19ديسمبر 1955م)، لكن يظل الأول هو التاريخ المعتمد والرسمي الذي دأب كل الشعب السوداني الاحتفاء به عند حلوله، ولكن دعونا نفسح المجال هنا لأحد الرجال الذين بذلوا لهذا الاستقلال ونكرمهم كلهم في شخصه، حيث ذهب كثيرون منهم وما زال ينتظر آخرون، ولكن بعيداً عن الأضواء، في أزقة المدينة المعتمة وحواريها المجهولة، لا أحد يهتم بهم ويوثق لهم ولا مسؤول يزورهم، تجاهلهم الجميع وانشغلوا عنهم متناسين هؤلاء الأشاوس الذين أنفقوا من أجلنا جميعاً أنضر سني عمرهم.
من بين هؤلاء، رجل عاصر مخاض الاستقلال، رجل ناضل من أجل الحرية التي ننعم بها اليوم، إنه الأستاذ “يعقوب حامد بابكر” عضو أول برلمان سوداني عام 1954م، وهو البرلمان الذي أُعلن الاستقلال من داخله.
أصغر أعضاء البرلمان 
ولد الأستاذ ” يعقوب حامد بابكر” في العام 1918م بمدينة السوكي، ودرس بمدرسة الأميرية أم درمان ومدارس الأحفاد، انتخب نائباً إلى أول برلمان سوداني بعد اتفاقية 1953م، عن دائرة السوكي.
 وفي هذا الشأن قال الأستاذ ” يعقوب” لـ(المجهر) كنت أصغر الأعضاء في البرلمان وكنا متحابين فيما بيننا، نترك خلافاتنا السياسية داخل البرلمان ونخرج لباحته كل منا يمسك بيد الآخر، لأننا نعمل من أجل هدف وغاية واحدة هي استقلال السودان، وأضاف: كنا غاية في الفرح والانشراح، لأننا وصلنا إلى مرحلة مفصلية من تاريخ السودان، وكنا نقيم الندوات والليالي السياسية وسط الجماهير في كل مكان من أجل تنويرهم بالاستقلال وشرح متطلباته.
{ متطوعون دون أجر
ويستطرد ” يعقوب” قائلاً: كنا لا نأخذ مرتباً لأننا نرى أن العمل من أجل الوطن والشعب لا يكون بمقابل، وكنت من أوائل المتطوعين الذين عملوا بدون مرتب، وذلك حتى لا يتم إسكاتي بالمال، كنت أقف دائماً لأعبر عن وجهة نظري بكل شجاعة، وحتى لو تعارضت آرائي مع رأي حزبي وكان حزب الأمة.
معاصرون
وفي معرض إجابته عن سؤالنا، هل يتذكر بعضاً من زملائه في البرلمان الأول، قال ” يعقوب”: كلنا من الشمال والجنوب والشرق والغرب التقينا داخل البرلمان لانجاز هدف واحد وهو الاستقلال، وأتذكر أن من أبرز النواب في ذلك الوقت كان كل من: مادبو، بابو نمر، عبد الرحمن دبكة والزبير المك، وبوث ديو، وهو كان صديقاً عزيزاً لي، والسياسي الضليع “محمد أحمد المحجوب” و”السيد إسماعيل الأزهري” و”الشيخ علي عبد الرحمن” و”ميرغني حسين زاكي الدين”، و”المك رحمة”، و”حماد توفيق”، و”حسن محمد”، و”مبارك زروق” وكثيرون غيرهم.
{ البرلماني المشاغب
وعن تسميته بالبرلماني المشاغب أو البرلماني الحر، يقول: كنت دائماً ما أصده برأيي بكل وضوح، حتى ولو كان يتعارض مع رأي حزبي، فكنت أطلق قناعاتي ولا أجامل أبداً، ولهذا أسموني بالبرلماني الحر أو المشاغب، وفي هذا الصدد يقول عنه الأستاذ “محمود أبو العزائم” في مجلة (السواعد العدد الثامن فبراير1995م)، ما يلي: ” عرف أول برلماني سوداني بعد اتفاقية 1953م، بشيخ المشاغبين، وهو النائب “يعقوب حامد بابكر” نائب دائرة السوكي، فهو فصيح اللسان، خفيف الظل، سريع الحركة كأنه أرنب يطارده ثعلب، كان مقبولاً من جميع الأعضاء على اختلاف أحزابهم، أما هو فأحد نواب حزب الأمة، كان يختلط بالاتحاديين والشيوعيين والأخوان المسلمين والمستقلين، وكان محبوباً منهم جميعاً، يحتفظ لنفسه دائماً برأيه الخاص، ولا يخشى إعلانه حتى لو تعارض مع رأي حزبه، فكان هدفاً لأقلام الصحفيين مما جعل له شعبية عند قراء الصحف من كثرة ما ينسب إليه من أقوال وأفعال استقطبت اهتمام الناس”.
{ أصدقاء ورفقاء درب:
وفي سياق آخر يقول النائب المشاغب، إن لي أصدقاء كثر منهم (عبد الكريم المهدي، عثمان وقيع الله، عابدين شريف، محمد عبادي، علي شمو، قرشي عوض السيد، أبوزيد الخليفة، خليل حامد بابكر، الدكتور محمد توم، السفير عمر بريدو، حسين الشريف الهندي، مالك الزاكي، الدكتور الصديق المساعد، الأمين الأرباب والطيب عبد الكافي).
حسرة على برلمانيي اليوم!!
وتأسف الأستاذ “يعقوب” على حال البرلمانيين اليوم قائلاً: قليلون جداً هم الذين يمشون اليوم على خطانا التي مشينا عليها في تلك الفترة، فلم نكن نهتم كثيراً بأمر الأموال والحوافز، ولم تكن بيننا خصومات شخصية، بل كانت سياسية فقط.
وعن أيامه في البرلمان قال النائب ” يعقوب” منافحاً من أجل الاستقلال وبعد الاستقلال عن حقوق الشعب، يقول: كنت نائباً في البرلمان منذ إنشائه في عام 1953م، قدمت ما قدمت من أجل الاستقلال ومن أجل الشعب والوطن، والآن عندما تعود بي الذكريات فأتأمل تلك الأيام والتضحيات امتلئ قبطة وسروراً وفخراً وإعزازاً لما قمت به.
{ أخيراً.. إجلال وتعظيم لرجل عظيم
 – هؤلاء رجالاً لا يتكررون بعد اليوم، يكفيهم فخراً أنهم توجعوا أيام المخاض العسيرة وابتسموا لحظة ميلاد قطر يسمى الآن السودان.
فهل يكفيهم أن نشكرهم فقط في يوم ذكرى الاستقلال المجيدة؟!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية