الديوان

بائع: ناس المحلية بشيلو الكتب وبندفع غرامات …والعنصر النسائى الأكثر إطلاعاً

عندما يصبح بيع الكتاب مصدراً للرزق

الخرطوم : أروى بابكر
(القاهرة تؤلف .. وبيروت تطبع .. والخرطوم تقرأ) قديماً كانت الخرطوم تتباهى بهذه المقولة التي تحمل في مضمونها مدى ثقافة الشعب السوداني .. كان الكتاب يصلها أولاً بأول من أكبر وأشهر دور النشر العالمية . عندما كانت المعيشة ميسورة وسهلة وكل الاحتياجات البشرية توجد من غير أي صعوبة كان الشعب السوداني شعباً مستهلكاً للكتاب، فهو شعب معروف بالثقافة .. وإلى الآن هو كذلك متمسك بثقافته.. ولكن الحالة الاقتصادية الضيقة التي تعم البلاد جعلته يبتعد قليلاً عن الكتب، وأصبح همه الأول هو المأكل والمشرب وأساسيات الحياة، وأصبح الكتاب شيئاً ثانوياً عكس ما كان عليه قديماً كأولوية من الأولويات، وفي بعض الأحيان أصبح يبتعد عن الكتاب شيئاً فشيئاً، وذلك بظهور الكتاب الإلكتروني الذي كاد أن يمحو الكتاب الورقي، ولكن الآن استعاد الكتاب الورقي هيبته بسبب هؤلاء الباعة المتمركزين في الكثير من أجزاء العاصمة .. وفى جولة لـ(المجهر) وسط الخرطوم مع (الفريشة) وهم باعة السلع التي تفرش على الأرض ..استطلعت جزء منهم حول كيفية بيع الكتاب.. وسبب عزوف الشعب السوداني عن الكتاب .. وعن مدى ارتباط هؤلاء الباعة بالكتاب .
حب الإطلاع أجبرني على بيع الكتب:
هكذا قال ناصر متوكل عبد الله، فإن حبه للإطلاع الدائم والقراءة هو السبب الرئيسي لامتهانه بيع الكتب منذ أكثر من عشر سنوات، حيث كان يملك مكتبة خاصة في بيته، وكان آنذاك موظفاً بالإذاعة السودانية، ثم سافر واغترب عن البلاد، إلى أن جاء عام (2000)، وبعدها بفترة أصبح يمتهن هذه المهنة إلى الآن، وأصبح يستمتع بالجلوس طوال اليوم بين الكتب، لا يكل ولا يمل منها، ويجد نفسه كثيراً بينها .. لأن الكتاب خير صديق في هذا الزمان .. يفتح مكانه هذا من الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً إلى آذان المغرب، ولا يمتهن غيرها مهنة أخرى، منوهاً إلى أن هناك مجموعة منهم تشارك بمعرض الخرطوم للكتاب، ولكن هو لم يذهب لمعرض الخرطوم منذ أن كان في نادي ناصر لأنه لا يوجد به جديد .. وأشار إلى أن الكتاب الآن غير مربح كما كان قديماً، بسبب التقنية الحديثة المتمثلة في الكتب الإلكترونية، وأيضاً بسبب الوكسة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حيث ازداد سعر الكتاب، فالذي كان يباع ب(20ج) أصبح الآن يباع بـ(25/ 30ج) وقال إن هناك مجلات أو كتب أو ملاحق قديمة تسمى (روبوبيكيا) أي الأشياء غير الموجودة في السوق، فهذه يقوم صاحب الكتاب بشد انتباه المارة لها، بأن يقوم بوضع (مايكرفون) بصوت واضح ليسمع الجميع .. وصرح متوكل بأن المضايقات التي تلحق بهم كلها تأتيهم من (ناس المحلية) وأكثر من مرة صادروا منه كل كتبه، ولا يستطيع أخذها إلا بعد أن يدفع غرامة مالية، مشيراً إلى أن أصحاب المحلات الذين يجلسون أمام محلاتهم لا يتضايقون من ذلك، لأن الكتاب لا يخلف وراءه أوساخاً أو غيرها .. وختاماً لكلامه هذا حكى لنا هذا الموقف المضحك الذي حصل له، وهو في مكتبته هذه، حيث قال: (إنه ذات مرة أتى إليه شخص يسأل عن كتاب للشاعر العراقي هاشم الرفاعي، زار كل المكتبات ولم يجده، لأنه لا يوجد شاعر بهذا الاسم، ولما أتى إليَّ قال:
أبتاه ماذا يخط بناني
والحبل والجلاد ينتظراني
فأكملت له:
لم تبق إلا ليلة واحدة
وأحسُّ بأن عذابها أكفاني
الليل من حولي سكون
والظلمات تمر في وجداني
ما بين آونة وأخرى
يرنوا إليَّ بمقلتي شيطاني
نظر إليَّ وضحك، وقال لي (الكتاب ده عندك) قلت له (لا ما عندي) أخرج من جيبه (خمسين جنيهاً) أعطاها لي ولم يسأل من الكتاب .
المهنة اقتضتها الظروف :
عبد الحميد الوراق من الشخصيات التي لها حكاية مع الكتاب، وهو امتهن هذا العمل في مطلع التسعينات بعد أن تخرج في الجامعة، حيث رأى أنه كطالب فإن هذه المهنة أقرب المهن لنفسه، فبدا في سوق الكتاب المسترجع حول الجامع الكبير، حيث كان هناك عدم استقرار واضح للكتاب، وأضحى أصحاب الكتب منتشرين حول العاصمة الخرطوم وتمركزوا حول الكنيسة ومدرسة الاتحاد العليا وشارع السيد عبد الرحمن وأماكن أخرى، وأشار إلى أنه مع مرور الزمن أصبحت مهنته هذه تقتضيها الظروف، ولا يوجد مجال لتغييرها، لأنه في تلك الآونة لا توجد مساحات متوفرة للعمل .. وقال إنه قبل أن يفتح مكتبته الخاصة في هذا المكان على الأرض، كان يعمل بمكتبة تسمى (البشرى) وكانت مكتبة مشهورة في ذاك الزمان.. مشيراً إلى أنه يحب الكتب والقراءة والإطلاع وأنه يجد نفسه كثيراً مع الكتب، لأن الكتاب وسيلة للمعرفة، ويمكن أن يكون جزءاً من الحركة الثقافية، حيث أصبح بيع الكتب مهنته الوحيدة.
وحول أسعار الكتب قال إن الكتاب كسلعة أو منتج له سعر تكلفة، وأن لديه أسعاراً مختلفة من حيث القيمة أو المضمون، وأيضاً من حيث الندرة، فالكتاب النادر غالبا يكون سعره عالياً.. فقد يوجد كتاب تاريخي قديم وآخر جديد فالقديم سعره أكثر بكثير من الجديد.. والكتاب مثله مثل أي سلعة يخضع لنظرية السوق، كل ما قل العرض زاد السعر .. وأكد أن شراء الكتب متعلق بالوضع الاقتصادي، وحالياً الوضع الاقتصادي في السودان متأزم، ولكن ذلك لم يقلل من شراء الكتب، وهناك مجموعة باسمهم تسمى مجموعة (التراضي الثقافي) تشارك كل عام بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب .. وأشار إلى أن أكثر الفئات العمرية المقبلة على شراء الكتب من (17- 25) فئة الشباب، وقال إن العنصر النسائي هو الأكثر شراءً للكتب من العنصر الرجالي، وأكد أن الرواية هي ما يتسيد المشهد الثقافي الآن، وأن الإقبال عليها يزداد يوماً بعد يوم .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية