أخبار

إعلان أديس

بينما كانت العاصمة الإثيوبية تغرق في أفراح نهاية الأسبوع والشوارع بللها المطر وانخفضت درجة الحرارة إلى ما دون الخمس درجات، وكفت هواتف الصحافيين عن طنين أصوات رسائل التواصل الفوري، وقد غالب النوم بعض الصحافيين والساعة تشير إلى الثانية صباحاً ثم الثالثة، ووفدا الحكومة والحركة الشعبية يغالبان الرهق والوساطة الأفريقية رابطة الجأش، والشيخان “ثامبو أمبيكي” ورئيس نيجيريا الأسبق “عبد السلام أبو بكر” يرفضان الراحة والذهاب لغرف النوم لأن جدول الوساطة يزدحم بأجندة يوم آخر ينتظرها على صعيد المشاورات حول خارطة الطريق واللجنة الأمنية بين السودان وجنوب السودان .
واستخدمت الآلية الأفريقية أسلوباً تتبعه أجهزة المخابرات في انتزاع ما تريده من المعتقلين يعرف بالإرهاق البطيء ربما استفادت الوساطة من خبرة الجنرال الاريتري المتقاعد “عابدول” وهي تضغط بشدة على الوفدين وترهقهما بسهر الليل حتى يوقعان على إعلان سياسي عوضاً عن طموحاتهما وأهدافهما المتباعدة، الحكومة تريد وقف إطلاق نار يفضي لاتفاق سلام ينهي الحرب يضع نهاية للمأساة التي يعيشها شعب المنطقتين والحركة، أقصى ما تريده قيادتها اتفاق هدنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، ومن خارج الحدود
تفتقت عبقرية الآلية الأفريقية إلى اقتراح صيغة الإعلان السياسي الذي يعبر عن روح جديدة وانفتاح بين الحكومة والحركة الشعبية في ثيابها الجديدة ويضع (المدماك)الأول في جدار الثقة بينهما .
الإعلان الذي وقع عند الرابعة من صباح أمس (الأحد)، يشكل بداية لمرحلة جديدة في تاريخ السودان بفتح نافذة أمل لغدٍ أفضل قد يتم فيه التوصيل لاتفاق سلام مع الحركة الشعبية بوفدها الجديد خلال النصف الأول من العام الجاري، إذا ما تحلت الآلية الأفريقية بقدر من سرعة الحركة وتخلت عن محاولة جمع الملفات التي بيدها في فترة قصيرة على طريقة (حصل السوق).
كما جاء في هذه الزاوية من عدد أمس (الأحد) فإن حصيلة المكاسب من جولة المفاوضات التي انفضت أمس لكل الأطراف جيدة جدا فالحكومة هي الكاسب من فتح نوافذ الحوار مع “الحلو” والتخلص نهائياً من “ياسر عرمان” الذي كان يجر من ورائه قاطرة مثقلة بالشيوعيين والمعارضين ومحاولة توظيف دماء النوبة في مشروعات لا شأن “لطروجي” و”هيبان” بها وتفاهم أعضاء الوفد الحكومي بيسر مع إخوتهم من النوبة الذين كانوا مغيبين عن قضيتهم.
أما الحركة الشعبية فقد امتلكت شهادة بحث بيتها وأمسكت بأوراقها، ونالت اعترافاً دولياً وفتحت خطوط تواصل مع العالم بعد أن كانت كل المفاتيح في جيوب “عرمان” إلى جوار المال وأشياء أخرى، وعادت الحركة الشعبية من إثيوبيا لأول مرة بشيء لقواعدها أفضل من لا شيء ووضع “عمار أموم” و”كوكو جقدول” في جيوبهما ورقة الإعلان السياسي الموقع مع الحكومة كخطوة تتبعها خطوات قادمة وقد حسمت كثير من قيادات الحركة موقفها وانحازت إلى “الحلو” بعد تردد وتخوف وانتظار .
أما مكاسب الآلية فهي حصولها المتوقع المنتظر على تفويض جديد من مجلس الأمن الدولي لمدة عام آخر لتمضي في إنجاز الملفات التي بيدها بعد أن نجحت في تحقيق تقدم محدود في ملف المنطقتين، لكنه تقدم يمنح الآلية عمراً جديداً وتفويض آخر لأنها أنجزت شيئاً قبل موعد تقديم “ثامبو أمبيكي” لتقريره أمام مجلس الأمن الشهر القادم .
بتوقيع الحكومة والحركة على إعلان أديس أبابا الذي يعد بمثابة وثيقة حل جديدة يتوقع أن تمضي المعارضة في محاولة قتل الإنجاز الذي تحقق على محدوديته والسعي لتبخيسه في وسائل الإعلام وفي ذات الوقت فإن الحركة الشعبية ستتعرض لحملة مسعورة من فرقائها اليساريين وأتباع “عرمان” وقد بدا النهش في عظام الحركة وقادتها منذ يوم أمس من إتباع “عرمان” والحركة لا تملك أسلحة ترد عنها كيد المتربصين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية