في جولة لـ(المجهر) ركود تام في الأسواق.. وضعف في القوة الشرائية بسبب تصاعد الأسعار
مخاوف من الهدوء الذي يسبق الانكماش الاقتصادي
تقرير – رحاب عبد الله
القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الوفاق الوطني تزامناً مع ميزانية 2018، تسببت في أن تشهد أسعار السلع قفزة كبيرة في الأسواق خلال الأيام الأخيرة، ما دعا الكثير من المواطنين إلى العزوف عن الشراء، بجانب عزوف تجار القطاعي عن شراء سلع من تجار الإجمالي، ما خلق بدوره حالة من الركود بالأسواق.
والأدهى والأمر أن إيرادات الدولة بدأت في التراجع بل توقف بعضها بسبب الإحجام عن التخليص الجمركي للمستوردات. ولعل هذا الأثر السالب هو السمة البارزة للإجراءات المتخذة، في وقت أبلغت فيه مصادر مطلعة (المجهر) بمواجهة مطاحن الدقيق والمخابز إشكالية بسبب زيادة فاتورة الكهرباء، ما جعل خبراء اقتصاد ومراقبين يحذرون من تعرض الاقتصاد السوداني لحالة كساد.
ويشير المواطن “مرتضى ساتي” في حديث لـ(المجهر)، إلى أنه يعدّ حالته المادية أفضل كثيراً من غيره، لاعتماده على مصادر دخل غير وظيفته الحكومية، ورغم ذلك فإن مستويات الأسعار أصبحت تثقل كاهله وما دفع أيضاً بالكثير من الأسر، في تقديره، إلى العزوف عن شراء مستلزمات الأسرة الضرورية للمعيشة.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن معدلات التضخم الحقيقية حالياً أعلى بكثير من المعدلات الرسمية، التي تعلنها الحكومة، مشيرين إلى أن مستويات التضخم الحقيقية تتراوح بين (50%- 60%)، وليس كما قدره الجهاز الحكومي للإحصاء بنحو (25.15%) في ديسمبر المنصرم، واستبعدوا تحقيق المعدل المرصود بموازنة العام الحالي 2018، وعزوا ذلك للارتفاع المشهود الآن للأسعار.
في وقت يعزو فيه جهاز الإحصاء المركزي ارتفاع التضخم للزيادة في أسعار السلع الاستهلاكية والخدمية، لا سيما الأغذية والمشروبات والخبز، واللحوم، والزيوت، والألبان والخضروات.
ويرى الخبير الاقتصادي د. “محمد الناير” في حديثه لـ(المجهر) أن الظاهرة تسببت فيها السياسات الأخيرة التي اتخذتها الدولة، مبيناً أن الاقتصاد السوداني كان يعاني أصلاً من ركود تضخمي، بسبب عدم نشاط الحركة التجارية، وارتفاع الأسعار، وجاءت عليها السياسات الأخيرة من توحيد لسعر الصرف انعكس على سعر الدولار الجمركي، الذي أثر على أسعار الخبز والسلع، التي خلقت- بدورها- عدم مقدرة محدودي الدخل على الشراء، ما جعل الاقتصاد يصاب بالكساد، وعدم دوران رأس المال، فضلاً عن عدم اتزان زيادة الأسعار والإحجام عن الشراء. ودعا الحكومة لإعلان سياسات إصلاحية لمعالجة سلبيات القرارات الاقتصادية، وطالبها بالبحث عن آليات لضبط الأسواق وتحريكها.
ويقول د.”عبد العظيم المهل” الخبير الاقتصادي لـ(المجهر) إن انفلات الأسعار يرجع للإجراءات الاقتصادية الأخيرة، التي رأى أنها تمت بدون دراسة ودراية اقتصادية كافية لمعرفة الآثار الجانبية المحتمل حدوثها، علاوة على تحكم بعض التجار في الأسواق، وانعدام الرقابة. وقال إن سياسة السوق الحر لا تعني الفوضى التي يمكن أن يتضرر منها المواطن، مضيفاً إن ارتفاع الأسعار غير مرتبط بندرة السلع، خاصة أن الغلاء يبقى، أيضاً، في المواسم التي تشهد وفرة في السلع.
لكن تجاراً يقولون إن الأسواق تشهد قلة في المعروض، لجهة أن بعض الموردين أحجموا عن تخليص بضائعهم ببورتسودان، الأمر الذي يدفع الأسعار للارتفاع، مقدرين زيادة الأسعار بنحو (300%) خلال الفترة القادمة.
ويشير “التوم عباس”، أحد تجار سوق أم درمان، إلى أن ارتفاع الأسعار أدى إلى عزوف الكثير من المواطنين عن الشراء، ما أحدث ركوداً في الأسواق. ويقول “الزين مختار”، تاجر جملة في الخرطوم، إن الركود الذي شهدته الأسواق تسبب في أضرار للتجار، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى زيادة سعر الدولار الجمركي لاستيراد الكثير من السلع، بينما يشهد الدولار زيادة كبيرة أمام الجنيه السوداني.
ورغم أن أحد اتجاهات الحكومة الإصلاحية الآن، محال البيع المخفض، غير أن البعض قلل من جدواها رغم التأكيد على أنها وسيلة ناجعة في ظل الاقتصاد الحر، إلا أنه يحسب على التجربة عدم فاعليتها، لجهة أن المراكز لم تغط كل بقاع البلاد، أو حتى كل الولاية، كما أنها لم تشمل كل السلع. ويرى “الناير” ضرورة أن تكون أسعارها أقل بكثير من السوق لجهة أن الأسعار مرتفعة كثيراً.
والشاهد أن أكثر السلع التي شهدت ارتفاعاً هي الخبز الذي زادت أسعاره بنسبة (50%) بولاية الخرطوم، وجوال السكر الذي وصل لأول مرة (1000) جنيه مقارنة بـ(680) جنيه، ورطل لبن الحليب (8) جنيهات بدلاً (6) جنيهات، والشاي والصابون والزيت ولبن البودرة، فضلاً عن زيادة أسعار الحديد (30-32) ألف جنيه للطن و(2,8- 3) آلاف لطن الأسمنت.
وحذرت الغرفة التجارية من مغبة الأوضاع وكشفت عن عزمها مناقشة القضية مع الجهات التنفيذية. ونبه عضو الغرفة “سمير أحمد قاسم” من أن يؤدي ركود الأسواق إلى انكماش اقتصادي، وبالتالي عدم تحقيق نمو اقتصادي.