الشائعة في مناخات العلاقة السودانية المصرية
بقلم – عادل عبده
مناخات العلاقة السودانية المصرية المتوترة صارت قابلة للاشتعال وقبول التهويل المطبوخ والشائعات الكثيفة التي تساعد على زيادة الحرائق وتضخيم الاحتقان السياسي بين البلدين، فالعلاقة السياسية والاقتصادية بين الخرطوم والقاهرة أصبحت كطيف شاحب يكسر الأحلام الوردية والعاطفة الأخوية المشتركة بين القطرين الشقيقين، وقد صارت الشكوك والهواجس تتسيد ملامح التواصل الثنائي بين القيادة السودانية والمصرية، وكلما ظهرت على السطح شذرات على طريق الرجوع إلى الود القديم سرعان ما تعود القهقرى إلى حالة التوترات الماثلة للعيان.
دائماً الخلافات المضخمة تخلق أجواءً مناسبة لتفريخ الشائعات والتهويل كحالة طبيعية تتماشى مع تلك الأحوال، فالجدول أمامها يكون مفتوحاً ومشرعاً والقلوب والأحاسيس على أنغامها تكبر وتتوسع.. في حقيقة الأمر هنالك خلاف بين البلدين انبنى على التباين الواضح في قضية سد النهضة الإثيوبي والصادرات المصرية إلى الخرطوم، وهواجس حكومة “السيسي” من التوجهات الأيديولوجية للحكومة السودانية ومآلات زيارة الرئيس التركي “أردوغان” الأخيرة للخرطوم.. في ثنايا تلك الصور الخلافية يدخل خيال المعلومات المغرضة والشائعات المطبوخة التي تزيد الحطب على نار العلاقة السودانية المصرية المشتعلة، فقد كان هنالك تهويل وتضخيم في المعلومات التي تتحدث من طرف الخرطوم حول تحرك مصري مضاد للإفراج عن العقوبات الأمريكية على السودان، حتى جاء النفي من جانب الدكتور “غندور” وزير الخارجية، وأيضاً كان هنالك حديث عن قيام برنامج حكومي مصري لحرمان فئات عديدة من السودانيين من دخول أرض الكنانة، فاتضح أن نصف المعلومة غير صحيح، إلى جانب ذلك كانت هنالك إشارات حول محاربة مصرية للسودان في المحافل الدولية، غير أن الحقائق الحسية لم تؤكد ذلك.
وفي الجانب المصري، ظلت القاهرة تتحدث عن موالاة الخرطوم للجانب الإثيوبي في المفاوضات حول قضية سد النهضة، فكانت المعلومات الصحيحة أن الخرطوم ليست لها مصلحة في هذا الاتجاه، وكذلك روجت مصر لقيام تنسيق قطري سوداني حول مشروع إحياء الآثار السودانية الوطنية على حساب أم الدنيا، فاتضح أن تلك المخاوف لم تكن في محلها.. وبذات القدر فإن التحوطات والتحسبات المصرية جراء أبعاد الزخم السياسي التركي السوداني لم يكن موجهاً ضد القاهرة.
الآن ظهرت في بعض الوسائط الإعلامية السودانية إفادات خطيرة على شاكلة المعلومات التي تحتاج إلى إعمال المنطق والعقل حتى تصبح قابلة للتصديق، فقد ذكرت صحيفة (السوداني) بتاريخ 2/يناير/ 2018م، نقلاً عن صحيفة (Addis Fortune) الإثيوبية بأن أديس أبابا رفضت طلب المصريين بإبعاد الخرطوم من مفاوضات سد النهضة المقبلة التي ستكون برعاية البنك الدولي بعد فشل الجولة الثلاثية في نوفمبر المنصرم.. من الواضح أن هذه المعلومة ترقص على جانبي الشكوك واستحالة التصديق، فالجانب المصري يعلم بأن الإثيوبيين لا يثقون به حتى يعول عليهم بقبول هذا المقترح الغريب، فضلاً عن ذلك فإن السودان دولة أساسية في موضوع سد النهضة كيف يتم إبعاده في مفاوضات محورية تتزامن مع وضع لمسات التنفيذ الأخيرة لمشروع سد النهضة، كذلك ما هي مصلحة إثيوبيا في أن تخسر الجانب السوداني الذي يتوافق معها كثيراً وتكسب مصر التي تختلف معها بشكل مزعج؟
يقيني أن هذه المعلومة تمشي على ساق واحدة ولا تحمل أسباب اللياقة السياسية والفنية، فهي مثل معظم التهويلات والتضخيم الذي ظهر على ملامح العلاقة السودانية المصرية المتوترة، فالواضح أن العلاقة بين البلدين بتاريخها وألقها وخصوصيتها أكبر من الشكوك والهواجس والشائعات الضارة، فهنالك حكمة وزير الخارجية الدكتور “إبراهيم غندور” الذي تحدث عن الرباط المقدس بين الشعبين المصري والسوداني.