رأي

مسامرات

حمى رأس السنة
محمد إبراهيم الحاج

{ لم يعد هناك صوت أكثر ضجيجاً مؤخراً من إرهاصات حفلات رأس السنة والاحتفالات بنهاية العام الميلادي.. يتبعها السؤال السنوي الراتب عن مكان قضاء حفل رأس السنة.
{ نشير بداية أن هوس الاحتفال برأس السنة لم يكن متجذراً في الثقافة الفنية السودانية إلا قبل بضع سنوات.. فقط بضع سنوات تحولت فيها تلك الاحتفالات ربما إلى أهم أمسية في حياة الشعب السوداني الصابر المحتسب.. المحاصر بضغوطات الحياة وتذبذب أسعار الدولار وانخفاض مستوى المعيشة إلى مستويات متدنية لم تصل إليها من قبل.
{ ومعظم أفراد هذا الشعب الأبي في المدن الكبرى يتداعون جماعات ووحدانا.. طلاباً وأسر.. عشاقاً ومخطوبين.. رجالاً ونساءً.. صبية وشباباً وربما كهولاً صوب تلك الأمسية التي لا تكاد تستثني أحداً، يقصدون المسارح والصالات الكبيرة المخملية.. حتى أولئك الذين لا يكادون يملكون قوت يومهم تجد بعضهم حريصين (متحزمين) و(يستنفرون) ميزانياتهم الضئيلة حتى يقتنصوا ساحة (قطع) رأس السنة.. وربما قطع كثير من أموالهم التي كان من الممكن أن تذهب إلى أشياء أخرى ضرورية مثل العلاج والأكل والملابس والغاز والفحم والمعجون والسكر والزيت… الخ.
{ أغلبهم وقع فريسة قوة الدعاية التي دلقها على آذانهم صباحاً ومساءً متعهدو الحفلات ومديرو أعمال الفنانين عن أهمية الاحتفال (غير التقليدي) في هذا اليوم تحديداً.. دعاية قوية جعلت الكثيرين ينقادون طائعين مختارين إلى الاقتناع بكامل (العقل) و(الدماغ) أن حفل رأس السنة يستحق عناء أن نبذل له (الغالي) و(النفيس).
{ ارتفعت تذاكر حفلات رأس السنة.. أطلق على تلك الأمسية مجازاً مسمى (الموسم).. استغل الفنانون الأمر وتعاقد بعضهم على أكثر من ثلاث حفلات في اليوم الواحد حتى يكتنز أكبر كمية من الجنيهات والأموال.. وصارت حفلات رأس السنة التي يلتهم بعضها معظم ميزانية الأسرة أهم لديهم من شراء الخبز والدقيق والشاي.
{ وهو تبدل خطير في العقل الجمعي السوداني.
{ أن تصبح الكماليات أكثر أهمية من (الضروريات).
{ مع انخفاض سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية تأرجحت معيشة السواد الأعظم من سكان السودان.. تأرجح بعضها حتى كاد أن يقع متسرباً منه (حق العيشة الكريمة).. ومع ذلك لا تزال بعض الكماليات شاخصة بأبصارها.. هازئة بما يزينه العقل الجمعي من (قشور الحضارة).. وكلفة استهلاكها.
{ هالني ما رأيت من أسعار تذاكر بعض المطربين لحفلات رأس السنة.. وللغرابة يماثل بعضها قيمة مرتب موظف في مؤسسات حكومية وخاصة.. ومع ذلك فإن الأمر لا يعدو سوى أن يكون حضور لحظة أشبه بأن تكون جنونية.
{ نعم.. من حق الناس أن يحتفلوا ويفرحوا حتى وإن كان بسبب انقضاء سنة من حياتهم.. ومن حقهم أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي.. ولكن عندما تكون لدينا (نفس) عشان نغني ونبتهج ونرقص وندفع أموالاً طائلة لذلك ولا يملك أغلبنا توفير أدنى مطلوبات الحياة والمعيشة الكريمة، فإن الأمر هنا يحتوي على قدر كبير من الانصرافية وسوء الإدراك و(لخبطة كيمان) الأولويات..
} مسامرة أخيرة
يوماتي تهاتي وطن.. وطن
مع إنو أداك ميتة الغربة واستخسر فيك كفن
 “حميد”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية