تقارير

أذربيجان.. أرض النار.. والأنهار.. وسطوة الإبهار

تقدم أنموذجاً للتعايش الديني
باكو_ محمد إبراهيم الحاج
لم تكن رحلة الوفد الإعلامي السياحي إلى العاصمة الأذربيجانية باكو تشبه كثيراً من الرحلات العملية الصحفية الراتبة، تأسيساً على عدة مؤشرات جعلت منها رحلة ستظل عالقة بالأذهان كثيراً، من أهم هذه المؤشرات تكامل عناصر النجاح فيها بعد الترتيب المتقن من شركة (رفل) للسفر بقيادة الشاب “محمد العزيب” وضابط إيقاع الرحلة “عصام عامر” بالإضافة إلى أعضاء الوفد الذين كانوا سنداً لبعضهم البعض في الملمات والتقاطعات التي أظهرت معدناً سودانياً خالصاً في أوقات الأزمات و(تُعرف معادن الناس عند الغربة)، فكانت المذيعة المتمكنة بقناة الشروق “إكرام محمد عبد الله” بمثابة الأم الرؤوم والأخوات بالقنوات الأخرى “رويدا عبد الحفيظ” و”سالي عثمان” و”ميادة هباش” والزميل الرزين “فتح الرحمن شبارقة”، بالإضافة إلى ممثلات الشركات السياحية “نهاد”، “ريان”، “ريماز”، “ريان” الصغيرة و”إحسان” وتعاون المصورين “المقداد” و”شهاب”، والمرشد السياحي صاحب اللكنة المصرية من أصول أذربيجانية “أوميت”، وخلق هذا التجانس جواً مهيئاً خالياً من المشاحنات التي عادة ما تكون ديدن الرحلات الطويلة نسبياً قياساً بزمن الرحلات العملية، والترحيب الشديد الذي وجدته البعثة من المؤسسات الرسمية هناك، بالإضافة إلى أعضاء الجالية السودانية الذين (وقفوا على فد رِجل) حتى مغادرتهم أرض النار.. والأنهار.. والإبهار.
عند نزولك إلى أذربيجان أول ما يلفت نظرك هو العمق التاريخي الذي يتبدى في أغلب مبانيها، ولهذا لم يكن غريباً على الدولة الحديثة أن تمزج بين التقليدية والمعاصرة حتى في شكل المباني والملابس، واختلاط الأجناس فيها خلق حالة من الانصهار الخلاق فكانت دولة حديثة بمميزات تاريخية.
 
أذربيجان هي واحدة من ست دول تركية مستقلة في منطقة القوقاز في أوراسيا.. تقع في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، ويحدها بحر قزوين إلى الشرق وروسيا من الشمال وجورجيا إلى الشمال الغربي وأرمينيا إلى الغرب وإيران في الجنوب.
بعد حصولها على الاستقلال في عام 1991 أصبحت أذربيجان عضواً في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي للتعمير والتنمية والبنك الإسلامي للتنمية وبنك التنمية الآسيوي.. يتكون النظام المصرفي لأذربيجان من بنك أذربيجان المركزي والمصارف التجارية ومؤسسات الائتمان غير المصرفية. أنشئ البنك الوطني (المركزي الآن) في عام 1992 استناداً إلى بنك التوفير الأذربيجاني، وهو إحدى الشركات التابعة لمصرف توفير الدولة السابق للاتحاد السوفياتي، يخدم البنك المركزي بمثابة البنك المركزي في أذربيجان فهو مخول لإصدار العملة الوطنية (المانات الأذربيجاني)، ويشرف على جميع المصارف التجارية. اثنان من البنوك التجارية الكبرى مملوكان للدولة وهما البنك الدولي الأذربيجاني والبنك العالمي المتحد المساهم.
{ الاقتصاد في دولة النار والجليد
ثلثا أذربيجان غني بالنفط والغاز الطبيعي. تمتلك منطقة القوقاز الصغرى أغلب مخزون البلاد من الذهب، الفضة، الحديد، النحاس، التيتانيوم، الكروم، المنغنيز، الكوبالت، الموليبدنوم والخامات المركبة، ويقدر إنتاج النفط السنوي فيها بنحو (14) مليون طن وهو ما جعلها دولة نفطية تتأثر سلباً وإيجاباً بارتفاعه وانخفاضه في السوق العالمية، فيما يقدر معدل النمو فيها بـ(3%) سنوياً وهو معدل مرتفع للغاية، حسب المتحدث باسم الخارجية، الذي خاطب الوفد الإعلامي أثناء استضافته في مقر الوزارة صبيحة وصول الوفد العاصمة باكو.
 وتتمتع الدولة بعملة قوية إذ يعادل الدولار الأمريكي 1.6 (منات أذربيجاني) والمنات هو العملة الرسمية.. وبدا ضابط المطار في غاية الحزن بعد أن ألقيت عليه السؤال بغتة عن سعر صرف الدولار وقال لي إن (المنات) ظل مستقراً نحو (20) عاماً حتى حدث له انخفاض طفيف للغاية إذ انخفض سعر صرفه للدولار من (1.6) إلى (1.69) فقط، وبدا أن علامات الحزن التي تبدت في ملامح الضابط كانت مؤشراً أولياً لمعرفة كيف يحب الناس هنا بلدهم كثيراً إلى الحد الذي يجعلهم يتألمون لحدوث ارتفاع طفيف قد لا يحدث تأثيرات واضحة على مستوى معيشتهم.
ويعتزم عدد من المستثمرين تأسيس شركة خليجية- أذربيجية، لتكون بوابة الخليجيين لاستهدف أسواق جديدة لتسويق منتجاتهم، فضلاً عن عقد شراكات في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة. وبدأت الجهات المعنية في أذربيجان بالتوجه إلى منح تسهيلات في تأشيرات رجال وسيدات أعمال سعوديين وخليجيين.
أذربيجان تعني أرض النار، بسبب البراكين لا تعرف الهدوء، حتى حمل اسمها هذا المعنى، بلاد تجمع بين جمال الشرق وسحر الغرب.. أرض عجيبة تشتمل على تباينات كثيرة ومرت عليها ثقافات وديانات كثيرة، وكلمة أذربيجان تنقسم إلى كلمتين «أذر» وتعني النار في اللغة الفارسية و«بيكان» تعني الأرض، ومواطنو أذربيجان ورثة أغنى تاريخ وأطول حضارة في الساحل الغربي من بحر قزوين لذلك فهي تمثل واحدة من النقاط الإستراتيجية لقارة آسيا.
{ السياحة.. علامة تميز
السياحة في أذربيجان تعدّ سياحة ناشئة وواعدة على مستوى العالم، يفضل الكثير من السياح العرب السفر إلى أذربيجان من أجل السياحة لما تتمتع به من جمال طبيعي ساحر ومعالم تاريخية ملفتة للنظر.
بدأت شمس السياحة في أذربيجان بالسطوع خلال السنوات القليلة الماضية مع تركيز حكومي على الترويج للبلاد، وتزايد أعداد السياح من مختلف أنحاء العالم لما تتمتع به الأماكن السياحية في أذربيجان من تنّوع، ولهذا كان ربما أول ما لفت نظرنا هو كثرة الوفود السياحية العربية التي كانت تأتي بعائلاتها.. لم تسلب الأجواء الباردة جداً رونق الدولة ولا قدرتها على جذب السياح، فكل شيء معد كما ينبغي ولم يشعر كل القادمين إلى تلك الدولة أن ثمة تغييرات كثيرة في حياتهم.. الناس هنا أغلبهم يبتسمون ويعملون بجد.. يؤرقهم فقط أن يروا بلدهم تتبوأ مكانة كبيرة بين نظيراتها الإقليمية والدولية.. والحضور السوداني في تلك الأصقاع البعيدة يبدو حاضراً ومؤثراً فالجالية رغم قلة أفرادها إلا أنهم يتمتعون بعلاقات واسعة وممتدة، كما أن المدير التنفيذي لـ(سوداتل) “طارق حمزة” استطاع أن يؤسس لدبلوماسية مختلفة، فهو يحظى باحترام الدستوريين والشعبيين لدوره الكبير في تجسير علاقات البلدين.
{ تعايش ديني نموذجي
وحسب المتحدثين الرسميين الذين تحدثوا للوفد، فإن أذربيجان دولة إسلامية، يمثل المسلمون الغالبية العظمى من عدد السكان ويقدرون بنحو (90%) من جملة سكان البلاد، بينما يمثل (10%) منهم نسبة الديانات الأخرى، وأوضح “أصلان أصلانوف” مدير وكالة (ازردتش) للوفد أن التعايش الديني يعد من أهم سمات الدولة الأذربيجانية، إذ إن هذا التنوع لم يسلبها التعايش السلمي، ويغلب على المسلمين مَن هم مِن الطائفة الشيعية بنسبة (60%) أما الـ(40%) فهم سنّيون، ولا يملك الزائر إلى مساجد الجمعة إلا الوقوف باحترام أمام أداء الأذريين لصلاتهم إذ يصطف الشيعة والسنّة في منظر ينم عن الوحدة الوطنية ويتمتع الشعب الأذري بأدب جم من خلال التعامل، وهو ميال إلى مساعدة الآخرين وإرشادهم. ويستطيع الزائر أن يلاحظ مدى تطور العمران في البلاد، إذ تنتشر الكرينات على مد النظر وفي مختلف أرجاء البلاد.
 العملة الرسمية في أذربيجان هي (المنات).. بالنسبة للغة، فإن اللغة الرسمية هي الأذرية وتعدّ قريبة من اللغة التركية القديمة كما أنها قريبة من اللغة الروسية التي تعدّ لغة دارجة لدى السكان، ولكن بدأت اللغة العربية تشكل جزءاً كبيراً من الثقافة الأذربيجانية.. لأن معظم السياح من جنسيات عربية، وهو ما أشار إليه محدثي “أوميت” بقوله إن اللغة العربية أصبحت واحدة من المطلوبات المهمة لمن يرغب في البحث عن عمل هنا، كما أن هناك نسبة لا بأس بها من السكان يتحدثون اللغة الإنجليزية.
المواصلات ممتازة، فهي مدعمة بشبكة خطوط مترو حديثة بالإضافة إلى الحافلات العامة وسيارات الأجرة وتعدّ تكلفة السياحة في أذربيجان بالنسبة إلى المواصلات رخيصة نظراً لتوفر ورخص الوقود.
ويعد مركز (حيدر علييف) أحد رموز باكو الحديثة. مؤلف مشروع البناء هو المهندس المعماري الأكثر شهرة “زها حديد”، صاحب جائزة “بريتزكر” المعمارية.. وطاف الوفد على معظم أجزاء المركز الذي صمم بطريقة مبتكرة للغاية ربما تعد أنموذجاً لكيفية بناء المباني الأثرية وطريقة عرضها.
 وودعنا بلاد النار والجليد بحفل تعارفي مع أفراد السفارة السودانية بباكو الذين بالغوا في إكرام الوفد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية