صراع نقابة
كانت نقابة المحامين منطقة دافئة لليسار والحزب الشيوعي يمارس فيها كل أنواع الهيمنة والسيطرة.. وتسخيرها لخدمة القضايا السياسية العامة دون اهتمام كبير بقضايا ومشكلات المحامين.. من “فاروق أبو عيسى”.. إلى “أمين مكي مدني”.. كانت نقابة المحامين دائرة لا يقترب منها الإسلاميين حتى جاء فجر الإنقاذ التي عمدت لتغيير مفاهيم النقابات القديمة.. وتم إلغاء نقابات الأطباء والصحافيين والمحامين وإبدالهما بالاتحادات، إلا أن المحامين نجحوا في إعادة نقابتهم للوجود لوحدها وتركوا الأطباء والمهندسين والصحافيين في اتحاداتهم الجديدة.
خلال سنوات الإنقاذ شهدت نقابة المحامين تغيُّرات عميقة وانتقل الصراع من مواجهة بين الإسلاميين واليساريين إلى صراع داخل البيت الإسلامي بسبب غياب التحدي.. وانسحاب الآخر من ساحة التنافس، وخلا المناخ للإسلاميين وحدهم يتنافسون للظفر بمقعد نقيب المحامين الوثير جداً.. والذي يجعل صاحبه في دائرة الضوء والأسفار بطول العالم وعرضه.. ولأن الحياة لا تعرف الفراغ.. نشب منذ زمان بعيد صراع سلطوي وعراك حول المناصب لأناس يردِّدون ليل نهار (لا لدنيا قد عملنا).. وكانت فترة الراحل “فتحي خليل” خصبة حد الإبهار قبل أن تقذف به تقديرات السياسيين للولاية الشمالية.. ويأتي د.”عبد الرحمن الخليفة” ثم أخيراً مولانا “الطيب هارون” الذي يعتبر الأقصر عمراً في النقابة والأكثر عطاءً من سابقيه، ولكن الصراعات الخفية والمطامح.. واللهث وراء كرسي السلطة جاء بثلاثة مرشحين، كما نشرت الصحف أمس الأول، حتى يختار الرئيس من بينهم مرشح الوطني للرئاسة. وقد تصدَّر قائمة المرشحين مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” رئيس البرلمان السابق، وهو من نجوم الساحة السياسية ومخضرميها.. وشيوخ الحركة الإسلامية الموثوق في نزاهتهم وحسن تدبيرهم.. لكنه من الجيل الذي انصرف من قيادة الحزب والدولة وجلس في كرسي الرقابة من على البعد، فكيف يرتضي له ويرضى لنفسه بالعودة للأضواء عبر نقابة المحامين وثاني الأسماء التي رفعت للرئيس المحامي “الدرديري محمد أحمد” الذي ظلمه حزبه بعد اتفاقية نيفاشا.. وتم إقصائه من السلطة بمزاعم قربه من “علي عثمان محمد طه” بعد أن صار القرب من “علي عثمان” تهمة، وقد كانت مزية.. وتلك من غرائب السياسة وعجائبها.. و”الدرديري” عالم ومثقف.. ومحامي عصري، لكنه بعيد عن عامة المحامين.. وقضاياهم ومشكلاتهم وثالث الأسماء التي تم اختيارها من قبل حزب المؤتمر الوطني المحامي “عثمان محمد الشريف” وهو اسم مغمور جداً ولا يعرف عنه في أوساط المحامين شيئاً.. ولا قدَّمه حزبه المؤتمر الوطني من قبل في أي من أنشطته.. فكيف لشخص مغمور مثله أن تفوز قائمته، إلا إذا كان الوطني مطمئناً لانسحاب المعارضة بذرائع معروفة المعارضة عاجزة عن تقديم رؤية جديدة.. ووجوه تنال ثقة قطاعات المحامين، وهي تقدِّم شخصيات سياسية معارضة أكثر منهم محامين هدفهم خدمة قضايا هذا القطاع العريض.
ومن هنا فإن انتخابات نهاية هذا العام ستشهد حضور نقيب جديد خلفاً لـ”هارون”.. إلا إذا رفض الرئيس “البشير” القائمة التي أعدَّها الحزب أو جاء بشخصية قومية متفق عليها لتخرج نقابة المحامين من نفق الصراع الحالي.