رأي

مسامرات

حكايات الجمعة
محمد ابراهيم الحاج

{ يسطع في ذهن بعض المغنين الجدد الذين سلّطت عليهم الأضواء الإعلامية بكثافة مؤخراً أنهم قد وصلوا إلى أعلى درجات (النجومية).. ويخالون أنهم بلغوا منتهى ما يصله مغنٍ بعد أن أطلق الإعلام السائب في بعض الأحيان على بعضهم صفة (نجم) و(فنان)، فانتشى كثيرون بذلك وباتت خياشيمهم تتنفس عبق الشهرة أو القبول دون أن يدروا للحظة أن كثافة الأضواء يمكن أن تعمي أبصارهم عن رؤية مواقع أقدامهم.. فيدبون بها بغير هدى.. ما يجعلهم عرضة للانزلاق في أية لحظة وتهشيم (عظامهم) الفنية بما لا تجدي معها أية (جبيرة) لترميم تلك الكسور.
{ كثيرون استمرأوا ذلك الطريق.. ويسيرون فيه الآن.. تعمي تلك الأضواء بصيرتهم.. هؤلاء لم يتعظوا بتجارب من سبقوهم الذين شغلوا الناس كثيراً لكنهم لم يكونوا يملكون مشروعاً غنائياً واضحاً فانتهوا إلى مجاهيل النسيان.
{ أين هم الآن مطربون أمثال “شريف الفحيل” و”خالد حسن” و”نايل” و”أمجد شاكر” وغيرهم ممن ساند الناس موهبتهم، وشغلوهم لكنهم تلاشوا سريعاً لأنهم لم يكونوا يملكون ما يقدمونه.
{ إذا تداعت مشاريع من سبقوكما.. فتبينا خطواتكما يا “مأمون ” و”أحمد فتح الله”.
{ في فترة الثمانينيات غنى “هاشم ميرغني” من كلمات “عزمي أحمد خليل” (حان الزفاف أنا حالي كيف بوصفو.. يا ريت هواك لي ما انقسم ولا قلبي ريدك نزفو)، وقبله عاتب الراحل “عثمان حسين” محبوبته غناءً بكلمات “حسين بازرعة” بقوله: (اغفر لو يا حنين وجاوز من ظلم).. كما غنى من كلمات “عوض أحمد خليفة”:
(ﺣﻴﺮﺍﻥ ﺃﺳﺎﺋﻞ نفسي ﺇﻳﻪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺨﺼﺎﻡ
ﻳﻤﻜﻦ ﻳﻜﻮﻥ في ﺣﻘﻚ اﺗﻠﻮﻣﺖ في ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻼﻡ
ﻟﻜﻦ ﺩﻩ ﻣﺎ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻳﻜﻮﻥ.. ﺃﻧﺎ قلبي ﻟﻴﻚ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ
ﻣﺎ ﺃﻇﻦ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻬﻮى ﻳﻌﺮﻑ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻼﻡ)
وغنى “إبراهيم حسين” للراحل “محمد عثمان كجراي”:
(خلاص يا قلبي كان خاصم.. ضميرو يحاسبو خليهو.. تمر أيام وينسى غرورو.. يلقى هوانا راجيه).
{ هذه الرقة والبساطة والسلامة النفسية في كلمات أغاني الرواد التي لا تزال محتفظة بدهشتها وروعتها جعلها صالحة لكل زمان ومكان.
{ تقابلها بالجانب الآخر كلمات منفرة تتم بها تغذية أبناء الجيل وحشو أدمغتهم بها.. كلمات تحرض على العنف اللفظي وشدة الخصام والندية بين المحبين، وهو ما يحيل كثيراً من العلاقات الإنسانية إلى علاقات تشاكسية تفتقر إلى قيمة (الاحترام).
{ مثلاً عندما يغني “قرقوري” ملء شدقيه بـ(لو قايلة ريدتنا زي مهند ونور تبقي عيانة ودايرة ليك دكتور).. أو آخر عندما يقول: (الفي ريدو فرط دقس.. بيجي غيرو يعمل مقص).
والأدهى من كل ذلك أن يتم إحضار المطربة “إنصاف مدني” بعشرات الآلاف من الجنيهات لتدلق على أسماع الناس أغنية (ما تقول لي عجبتك.. عندي زول بيقطع رقبتك).. ويتراقص الناس أمامها جزلين مبتهجين رغم كل ما تحويه كلمات الأغنية من عنف صريح.
{ ورغم أن المقارنة بين الجيلين تبدو شبه معدومة، لكنها تؤشر بوضوح إلى عمق الهوة بين الثقافات وطرق التعبير وأدوات توصيل الفكرة.. ولهذا السبب ربما كان المجتمع متسامحاً كريماً متصالحاً مع ذاته عكس الأجيال الحالية التي تعاني من اهتزازات على المستويات كافة.
} مسامرة أخيرة
{ اغفـــر لــه يا حنيــِّن … وجــاوز لـــو ظلم
ما أصلها الأيام مظالم والعمــر غمضة ثواني
واصبر على جرحك.. وإن طــــال الألم
بى جراحنا بى أشواقنا.. بنضوي الزمن
أنا عارفه بكرة بيعود.. في رعشـــة ندم
ننسى الحصل بيناتنا.. والسهر اللي كان
تصبح حياتنا نغم.. وعشنــــا يبتســــم
وتعود مراكب ريدنا.. لـــــي بر الأمان
“بازرعة”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية