شجاعة قاضٍ
القاضي “إبراهيم خالد” الذي أصدر حكماً شجاعاً ببراءة (23) فتاة متهمات بارتداء الزي الفاضح، لم يبرئ الفتيات وحدهن، بل البراءة كانت للوطن الذي يتهمه أبناؤه جوراً وظلماً وعسفاً بانتهاك حقوق مواطنيه.. ويجورون عليه بتشويه سمعته والنيل منه بتطبيق قانون النظام العام الذي يثير في كل عام جدلاً واسعاً حول جدواه.. بعد أن ساهم هذا القانون في إطالة أمد وضع السودان تحت بند الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان، وفتح الباب لمعارضة داخلية تستغل الخروقات التي تقوم بها الجهات المنوط بها إنقاذ القانون.. وتحيلها إلى سكاكين تغرزها في جنب النظام الحاكم!!
القاضي “إبراهيم خالد” الذي نظر في قضية الفتيات الموقوفات بمحكمة أركويت شرق الخرطوم، لم يجد سبباً وحيثيات لمحاكمة الفتيات حيث يثور جدل عن تعريف ما هو الزي الفاضح، ومن يحدد هذا الزي “فاضح” وذاك “محتشم”، وهل القاضي حينما ينظر في مثل هذه القضايا ينظر إلى حدود بصره لحظة وقوف الفتاة أمامه أم بمظهرها لحظة القبض عليها؟؟ إذ إن القانون يمنح المتهمة حق الإفراج عنها بالضمانة العادية حتى انعقاد جلسة المحكمة ويمكنها بالطبع تبديل ملابسها.. وفي بعض الحالات يتم تقديم الفتيات المقبوض عليهن حالاً للمحكمة وفي ذلك إهدار لحقوقهن في الدفاع عن أنفسهن باختيار محامٍ.. والقاضي الشجاع “إبراهيم خالد” أصدر حكماً على السيدة التي نظمت الحفل لمخالفتها إجراءات التصديق والإدلاء بمعلومات كاذبة عن حفل كل حضوره من النساء.. فكيف تصبح ملابس المرأة خادشة لحياء أختها؟ ولماذا تتعقب شرطة النظام العام الحفلات النسائية التي لا يسمح للرجال بحضورها؟
في الأسبوع قبل الماضي سمحت السلطات في المملكة العربية السعودية بإقامة حفل نسائي لأول مرة تغنت فيه مطربة من دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة عيدها الوطني.. المطربة الإماراتية أشجت النساء السعوديات بأغانيها كما جاء في صحيفة (الشرق الأوسط)، ورقصت النساء حتى منتصف الليل والمطربة تتوه بأغاني الحب والغرام مع إضافة بعض (المحسنات) كالغناء للملك “سلمان ابن عبد العزيز” بطول العمر.. ولولي عهد أبو ظبي.
تلك هي السعودية أرض الحرمين الشريفين.. تغشاها تغيرات اجتماعية عميقة بإطلاق سراح الحريات الشخصية والإفساح الاجتماعي لمجتمع بدأت تتشكل فيه تيارات وعي بالحقوق العامة، شأنه وكل البلدان العربية والإسلامية.
ولكن في السودان البلد الذي حظي فيه المجتمع بحريات اجتماعية واسعة، وحريات سياسية شاملة منذ ما يقارب القرن من الزمان، تنتاشه من حين لآخر موجات أصولية تتناقض ووسطيته في الدعوة ووسطيته في إسلامه الذي لا يعرف الغلو والتطرف.. وحينما ينتصر قاضٍ مثل مولانا “إبراهيم خالد” لوسطية السودان ويصدر حكماً ببراءة الفتيات اللاتي تم اقتيادهن الخميس الماضي من حفلة مغلقة، فإنه يحكم بضميره.. وبعلمه وثقافته، والقاضي العالم الفقيه بالدين وجلب المنفعة ورفع الضرر هو الذي يحمي بلادنا من عسف المتعسفين وجور الجائرين.
قانون النظام العام بنصوصه الفضفاضة في حاجة لتغيير وتعديل، أكثر من حاجة البلاد لقانون جديد للصحافة يضع قيوداً على الأقلام.. وأكثر حاجة من تعديل القانون الجنائي لعام 2017م.. وبكل أسف في اليوم الذي يحتفل فيه العالم بحقوق الإنسان، تبعث بلادنا برسائل خاطئة للعالم من خلال تقديم (24) فتاة للمحاكمة في الخرطوم بتهمة ارتداء ملابس فاضحة.. ما لكم تجورون على هذا الوطن بالتصرفات الخرقاء والأفعال المشينة؟!