رأي

بكل الوضوح

الأثر والتأثير عند الرحيل
عامر باشاب

{ أن ترتفع درجة حرارة الحزن عند وداع شخص رحل عن هذه الفانية وهو في عز الشباب فهذا أمر طبيعي، لكن أن تعلو حرارة الحزن والأسى ويرتفع صوت البكاء والنواح على رحيل سيدة بلغت من العمر عتيا وتجاوزت التسعين أو الثمانيين من عمرها، وعانت ما عانت من آلام وأوجاع مرض السكري وضغط الدم والفشل الكلوي، فهذا أمر يدعو للدهشة والتأمل والبحث والتنقيب في كتاب مسيرتها في الحياة.
{ وددت بهذه المقدمة أن أنعي مربية الأجيال السيدة حاجة “عائشة أحمد عوض الله” التي رحلت إلى ربها راضية مرضية عصر (الثلاثاء) الماضي وتركت من السيرة والأثر الذي جعل الجميع يتأثرون لرحيلها ويبكونها ويودعونها بحرقة وألم.
{ والحاجة “عائشة” التي ستظل (عائشة) بيننا رغم الرحيل تنتمي لعائلة الشيخ “أحمد عوض الله” سليل أكبر القبائل والعوائل المالكة والمؤسسة لقرية (معيجنة) بولاية الجزيرة، هذه القرية التي أنجبت أشهر تجار الأقمشة بسوق أم درمان (قمر للأقمشة)، (العبيد للأقمشة)، “الحاج العبد”، “عبد الحميد بلال” والراحل الرائع المقيم “الصادق بلال” وغيرهم من أهل الهندام والشياكة.
{ لكن رغم انتمائها الكلي إلى (معيجنة) عرفت بين الناس بـ(عشة باشاب) آخذة اسم عائلة زوجها جدنا الشيخ الورع “محمد أحمد الباشاب” وهذا يعني أن تأثيرها في التعامل والتواصل وحكمتها وخبرتها في إدارة الأسرة تجاوز محيط أهلها بـ(معيجنة) والحصاحيصا ليمتد بقوة إلى قبيلة الباشاب (البواشيب) في (الشمالية) قرية (جلاس – مركز مروي) وأبناء عمومتهم وأصهارهم، هذا بجانب تأثير تواصلها وتواددها مع جيرانها في كل الاتجاهات على امتداد حي الصحافة غرب، خاصة مربع (25)
{ حسن الخاتمة وعلامات القبول بانت في كثير من تفاصيل الرحيل.. الصبر على المرض وانتقال روحها إلى الرفيق الأعلى في أيام مباركة من شهر (ربيع) وتأخر جثمانها الطاهر بسبب تزاحم الطريق أتاح الفرصة للجميع للمشاركة في مراسم تشييعها، حيث كانت جنازتها مهيبة احتشد المصلون لها في صلاة الجنازة بعد صلاة العشاء. وهذا الفضل الذي أكرمها به الله تعالى امتد إلى طالب متوفى من قرية (ألتي) مات غرقاً، والذين كانوا برفقة جنازته لم يتجاوزوا الخمسة، وبعد الصلاة عليهما قال لي أحد أقارب الطالب الغريق هذه المرأة يبدو واضحاً أنها سيدة عظيمة لأن حضور جثمانها في هذا التوقيت إكرام لهذا الطالب الغريق الغريب.
} وضوح أخير
{ الحاجة “عشة باشاب” رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، بالفعل كانت سيدة عظيمة وكانت لها مدرستها الخاصة في التربية والتنشئة وفي إدارة حكم الأسر الصغيرة والكبيرة، ولها أسلوبها الخاص في التدبير والتنظيم والترتيب.. كانت سيدة مواصلة وكريمة وجادة وصارمة تحب النظام وتبغض الفوضى و(الخمج) ولا تخشى في الحق لومة لائم.
{ تعلمنا منها الكثير من القيم أبرزها الجدية في الحياة والنظام والصراحة والوضوح.
{ أخيراً.. نسأل الله لها أعلى الجنان ومرافقة الحبيب المصطفى “صلى الله عليه وسلم”، وأن يلهم أبناءها وبناتها وأحفادها الصبر الجميل.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية