امتحان الأقلام
ماذا تكتب هذا الصباح؟ الدماء في مستريحة قد غطت الأرض اليابسة! والوجوه عابسة في عزاء الشهيد الراحل “عبد الرحيم جمعة دقلو” أقرب القيادات العسكرية إلى الفريق “محمد حمدان دقلو”.. الذي دفعت أسرته ثمناً باهظاً وفقدت أعز من أنجبت من الرجال في معارك ما بين طروجي في جبال النوبة إلى مستريحة الضاحية البدوية ، المنسية في جغرافية الوطن، ولكنها اليوم تتردَّد في أفواه الإذاعات وشاشات التلفزة.. ووسائط التواصل الاجتماعي أنباء مفزعة عن معارك جرت.. وحقائق غائبة مثل غياب ما يحدث من انتقال سياسي لعلاقات السودان نحو موسكو ومعسكر “بوتن”.. الذي يضم “أردوغان” وإيران التي من أجل عيون السعودية و(مجاملة) الرياض قطعت الخرطوم وشائج صنعتها الأزمات والمحن وتتقاطع فواصل ما بين المعارضة السورية التي يقودها الأخوان الإسلاميين و”بشار الأسد” الذي قال “البشير” عنه أمام “بوتن” لا حل في سوريا إلا بدور لا يتجاوز “الأسد” الصغير.
ماذا يكتب القلم حينما تغشاه عتمة الصباح.. والغبار العالق يحجب عنه الرؤية البصرية المجرَّدة للأشياء.. المهندس “عبد الواحد يوسف” والي شمال دارفور يقطع رحلة الاستمتاع والدهشة باحتفالية كسلا غداً، حيث ختام عرس الدورة المدرسية ومن المطار إلى ضاحية جبرة، وقد انتصبت خيمة عزاء الراحل الشهيد “عبد الرحيم جمعة دقلو” شهيد مستريحة المقتول غدراً وغيلة.. وما كان القائد المقاتل في نزهة أو رحلة صيد في بادية الشمال الباردة.. كان يطارد المتفلتين وحملة السلاح بعد أن صار حمل السلاح ممنوعاً في السودان إلا للقوات النظامية.. انطلقت رصاصة الفتنة وصعدت روح “دقلو” إلى بارئها وقادة الدعم السريع هزموا التمرُّد وأعادوا للدولة هيبتها المفقودة في دارفور، لأن القادة يتخذون الميدان مكاتباً لهم لإدارة العمليات.. يقاتل “حميدتي” بجسارة في طروجي وفي قوز دنقو.. ويقاتل الشهيد “عبد الرحيم” في دونكي البعاشيم و”حمدان السميح”.. وحينما تقاتل الجيوش بقادتها تنتصر في الميدان.
والانتصار في مستريحة لا يعني القبض على “موسى هلال” زعيم عشيرة المحاميد الذي يتكئ على البندقية والكاكي بعيداً عن مشيخة العشيرة.. وقبل أيام كان “موسى هلال” يستقبل “حميدتي” والأخير يرفع يديه متضرِّعاً لرب العباد العفو والمغفرة لروح والدة “موسى هلال” الذي وجد “حميدتي” الوحيد الذي يشاركه الأحزان بعد انفضاض السياسيين وسماسرة السياسة والبرلمانيين.. حينما أدرك هؤلاء أن “موسى هلال” بات منطقة الاقتراب منها يثير غضب السلطان، لكن العسكريين أكثر وفاءً للصداقة وصلة الرحم وأواصر الدين ورفقة الخنادق.. جاء “حميدتي” معزياً ابن عمه “هلال” وهو لا يتأبط شراً نحوه وإلا ما كانت أقدامه تغوص في رمال مستريحة.
كانت الوجوه نهار أمس (الاثنين)، في ضاحية جبرة حزينة وخائفة من فتنة تطل برأسها في عصر (الواتساب) والمخابرات عابرة الحدود ونصف الخرطوم تقرأ الأخبار الكاذبة في (الواتساب) عن الدماء في مستريحة وعن مقتل أبناء “موسى هلال” والحكومة آخر من يتكلَّم والحزب الحاكم ينتظر، وهو الذي ترك الساحة لغيره تحليلاً وتأويلاً وقراءات خاطئة ومغرضة عن زيارة “البشير” لموسكو.. والانتقال من حلف إلى حلف، كما يزعمون، وحتى المقرَّبين من الرئيس “محمد لطيف” المرشَّح لدور “محمد حسنين هيكل” الجديد في بلاد النيلين، يقول ويزعم، إن الجيش السوداني سيأتي عائداً من اليمن في الأيام القادمة بقرار من الرئيس.. ومن القصر الجمهوري الخبر الاقتصادي بعد أن تولى المثقل بالأعباء إدارة الشأن الاقتصادي بعد فشل الجنرال “الركابي”.. والخرطوم أمس، نصفها خائف من تداعيات الدم في دارفور والنصف الآخر تشغله مصاعب الحياة.. ولا شأن له بنهاية أسطورة “موسى هلال”، ولكن من صنع أسطورة “موسى هلال” ومن قضى عليها يوم أن انتفش ريشها؟