شهادتي لله

عشان كلام (الأيدز) أقعد مع زول واحد!!

{ ثار في الأيام الماضية جدل كثيف حول قضية مكافحة مرض (الأيدز) في السودان، المنهج والوسائل، وعلاقتها بالشرع والأعراف، وذلك في أعقاب الحملة المضرية التي قادها الشيخ الجليل عضو المجلس الوطني “دفع الله حسب الرسول” من تحت قبة البرلمان، مشدداً الهجوم المتوالي على وزارة الصحة الاتحادية ممثلة في برنامج مكافحة الأيدز الذي يديره الطبيب الشاب “إيهاب علي حسن”، صاحب المعارك والمطاردات الشهيرة بين الصندوق القومي للتأمين الصحي على أيام مفوض العون الإنساني الحالي “سليمان عبدالرحمن”، والصندوق الولائي في ولاية الدكتور “المتعافي” على العاصمة الخرطوم.
{ “المتعافي” أيقن أن صندوق التأمين الصحي بقرة حلوب تدر المليارات من الجنيهات، ولهذا قرر فصل الصندوق الولائي عن الاتحادي لفائدة حكومة الخرطوم، استناداً إلى نصوص إتفاقية السلام الشامل، وكانت (نيفاشا) – يومذاك – مولوداً جديداً يتغنى له الشعراء، وينسبه كل سياسي إلى نفسه وحزبه، قبل أن يصبح الصبح ويكتشف الجميع قصة (الخديعة الكبرى) التي انتهت إلى فصل جنوب السودان وتقديمه لقمة سائغة إلى أفواه عصابة الحركة الشعبية لتحرير السودان!! ويومها كتبت سلسلة مقالات في جريدة (الصحافة) تحت عنوان (السلام المثقوب) في زمن ثنائية “الحاج وراق” والعزيز “عادل الباز”، وكانت الصحيفة ترقص على مينشيتات من شاكلة (تبت يد المستحيل)!! إنه ذاته المستحيل الذي قسم بلادنا إلى بلدين، ومازالت الحرب مستمرة حتى الآن!!
{ المقدمة أعلاه مهمة لأن مشكلات القطاع الصحي في بلادنا أسها وأساسها المشكل السياسي، وتقاطعات (الكتل) والمجموعات السياسية. وفي وزارة الصحة، حينها وقبلها، كان الصراع على أشده بين مجموعتين من (الدكاترة) منتمين للحزب الحاكم، الأولى يقودها وكيل الوزارة الأسبق الدكتور “عبدالله سيدأحمد”، والثانية يتزعمها الدكتور “مندور المهدي”، مدير الإمدادات الطبية الأسبق.
{ مدير برنامج الأيدز الحالي د. “ايهاب” كان محسوباً من (أولاد) الوكيل (القابض) المدللين، هكذا كانت تتردد المعلومات داخل القطاع الصحي وخارجه وحتى في الوسط الصحفي.
{ خلفية عمل وتجارب وخبرة مسؤول مكافحة الأيدز ضرورية، لنتعرف على إمكانية وفرص نجاحه في تحقيق اختراقات ملموسة ومحسوسة في هذا الملف بالغ الخطورة.
{ البعض يعتقد أن التركيز على (الأشخاص) غير مهم، والأهم هو المشروع والبرامج والمناهج والمؤسسات. لكنني أرى غير مايرون، وفي رأيي أن شخصية (القائد) مهمة لأي عمل، في الوزارة، أو في شركة، أو فريق لكرة القدم.
{ ورغم أن البعض يزعم أن (الغرب) المتقدم لا يحفل كثيراً بالأشخاص بل يعتمد على المؤسسات، إلا أن ترشيح “باراك أوباما ” لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2008، يظل دليلاً ساطعاً على أهمية (الشخص) ودلالة (لونه) وعمره وجاذبيته، وطريقة تفكيره، ليكون من بعد ذلك (خادماً) للمؤسسة. أمريكا كانت في تلك المرحلة، بعد حروب الإرهاب الوحشية في العراق وأفغانستان، في حاجة إلى رئيس (أسود) شاب وجذاب لتقول إنها قادرة باستمرار على التغيير!!
{ و الشيخ “دفع الله حسب الرسول” لم يخطئ عندما طالب برنامج مكافحة الأيدز بتقديم برامج توعية وإرشاد حقيقية وفاعلة في المجتمع بدلاً عن توزيع (الكوندوم) أو الواقي الذكري على الصيدليات أو الجامعات.
{ لا أدري من كان مدير برنامج الأيدز الأسبق، وتحديداً في نهايات العام (2004) عندما كان “إيهاب” في التأمين الصحي، فقد كانت حملات التوعية تتخذ أشكالأً لافتة ومدهشة ومقنعة ومفزعة في ذات الوقت من خطر طاعون العصر (الأيدز).
{ في ذلك العام، وقبيل قدوم طغمة الحركة الشعبية لحكم الجنوب، زرت “جوبا” عندما كانت تتبع للخرطوم، ضمن وفد رسمي، فاستغرقتني الدهشة والإعجاب وأنا أقرأ لافتات (التوعية) و(التحذير) من الأيدز تملأ شوارع حاضرة الجنوب، قبل أن ينتهك عذريتها أوباش الجيش الشعبي.
{ ومازالت كلمات تلك اللافتة المنصوبة على جذع شجرة راسخة في ذاكرتي، رغم مرور ثماني سنوات طويلة.. بعربي جوبا كتب برنامج المكافحة الاتحادي بالتعاون مع صحة الجنوب الآتي: (عشان كلام الأيدز.. أقعد مع زول واحد)!!
{ يا لها من رسالة سريعة وعميقة وهادئة!!
{ وفي الخرطوم، كانت (ضهريات) البصات والحافلات تحمل شعارات وتحذيرات وتنويهات برنامج مكافحة الأيدز فيطالعها آلاف الشباب مثل (لحظة متعة عابرة قد تنهي حياتك)!!
{ أما الآن، وفي عهد الطبيب الشاب “ايهاب”، فإنني لم أصادف لافتة توعية واحدة  في أي شارع أو بص أو حتى ركشة، لا في الخرطوم، ولا أم درمان، ولا بحري، ولا بورتسودان، دعك من جوبا البعيدة التي صارت عاصمة دولة أجنبية! ألم أقل لكم إن (القائد) مهم في (الكورة) وكذلك في برنامج الأيدز؟
{ ذهب مدير المكافحة السابق الذي – قسماً بالله – لا أعرفه ولكني أعرف أفكاره وأفعاله، وجاء “إيهاب” ليحدثنا عن توفير (الكوندوم) في الصيدليات!! وصدق “دفع اله حسب الرسول”.
{ لقد كتبت من قبل أن هذا الشاب ضعيف الخبرة لا يستطيع مكافحة الأيدز، وأن الأيدز سيملأ السودان إذا كانت الحكومة تنتظر أن يكافحه “ايهاب”، فاذا به يسارع وبعناد يحسد عليه، إلى تدوين بلاغ ضدي لدى نيابة الصحافة والمطبوعات، رافضاً كل الوساطات والرجاءات، بما فيها رجاء رئيسه المباشر وكيل وزارة الصحة السابق الدكتور “كمال عبد القادر” وزميله الودود دكتور “الزين الفحل” للتنازل عن البلاغ، ومغادرة سكة المحاكم، لكنه رفض واستعصم بالمحاكم، مردداً أنه يعرف كيف يأخذ حقه (تالت ومتلت) كما يقول المصريون!!
{ وبعد عام كامل، شهر ينطح شهراً من الجلسات والمرافعات والاستماع للشهود وتقديم البينات، بين يدي محكمة الصحافة والمطبوعات وأمام القاضي المحترم والصبور مولانا “مدثر الرشيد”، شطبت المحكمة بلاغ الشاكي “إيهاب علي حسن” مدير برنامج مكافحة الأيدز، بينما كان يحلم ويطمع في تعويض مقداره “خمسمائة مليون جنيه” بالقديم!!!
{ نحتاج إلى برنامج حقيقي وفاعل لمكافحة الأيدز في السودان.
{ ونحتاج إلى مدير أفعل.. وأقدر.. وأخبر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية