أخبار

زلزال "البشير" في روسيا.. ما هي أسبابه؟

عادل عبده
زيارة الرئيس “عمر البشير” الأولى لدولة روسيا منذ تقلُّده زمام الأمور في البلاد عام 89 والتي جرت في الأيام الفائتة احتلت مكانة رفيعة في الذاكرة السودانية، فقد كانت بمثابة زلزال ضخم ارتج له ميزان الحسابات السياسية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بشكل فاق جميع التصوُّرات والاستنتاجات بصورة لا تقبل القسمة.
أطلق “البشير” من كناناته تصريحات وإفادات غير مسبوقة في روسيا قلبت الموازين رأساً على عقب، وشكَّلت بوصلة جديدة ومفاجئة ربما تكون مؤثرة في التوجه الرسمي المنتظر على صعيد مسارات التعامل مع أمريكا وإيران والملف السوري .
جلسة المباحثات السورية السودانية جاءت على شاكلة العشاء الشهير في تاريخ ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية والذي فتح الأبواب لتحوُّلات غير نمطية في ألمانيا، فقد تجسَّدت تلك الصورة الواضحة عندما رأى “البشير” إدخال الحماية الروسية لمواجهة عدوانية أمريكا تجاه السودان، فكانت مطالبته بقيام قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، ومثل هذه الإشارة تعني بوضوح إيجاد متنفَّس جديد بعيداً عن واشنطن والغرب في الواقع السوداني، وأيضاً تعكس إيماءة شفَّافة برفض فاتورة التطبيع الأمريكي المليئة بالشروط التي تطعن في الكرامة السودانية، وكذلك تماهي “البشير” في روسيا مع البراغماتية الظرفية التي صارت مقبولة في القاموس السياسي حين أظهر تضامناً شفافاً مع موسكو في الملف السوري، فضلاً عن ذلك فقد أطلق “البشير” موقفاً في الجانب الإيراني، أقرب إلى الحيادية رغم قطع العلاقات معها، فقد ذكر بأن إيران موجودة في المنطقة، وكذلك دول الخليج، فلماذا التحارب بينهما، وكل طرف لا يستطيع محو الآخر؟.
عبارات الرئيس حول حاجة السودان إلى حليف قوي مثل روسيا لمقابلة العنجهية الأمريكية التي تريد تقسيم البلاد علاوة على التغيير الدراماتيكي في الملف الإيراني والسوري جعلت الروس يقولون بأن السودان سيكون شريكاً في القارة الأفريقية، فكانت محصلة الزيارة التاريخية توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجال النفط وتعدين الذهب والاستخدام العلمي للطاقة الذرية، والنواحي العسكرية ومجال التعليم العالي والثقافة والزراعة والاستثمار.
إذا حاولنا إضاءة المصابيح حول دوافع تلك التصريحات الرئاسية الخطيرة التي انطلقت على شاكلة الزلزال الكثيف فلابد من القول بأن “البشير” درس خيارات ما ينتج عنه رد فعل تلك القنبلة الهيدروجينية التي ألقاها في الساحة الروسية، فهو يريد تفكيك المسارات القديمة من خلال رسائل غليظة ونوعية لم تخطر على بال معظم المراقبين السياسيين، فالرئيس شعر بأن مجهوداته وإسهاماته على منضدة الحلفاء لم تجد ما تستحقه من الخطوات اللازمة، ولذلك قرَّر إيقاظ هؤلاء الأصدقاء، فضلاً عن الأعداء من غفوتهم، وإبلاغهم كم يطوي في ضلوعه من آهات لا يرونها ولا يشعرون بها، وأيضاً رأى “البشير” بأن أمريكا لها نداً قوياً يمكن أن يكون بديلاً لها إذا تمادت في سياستها الضاغطة على الخرطوم.. المسرح الروسي كان لائقاً ومقبولاً لرسائل القيادة السودانية للقطب الأمريكي وساحة الأشقاء الذين لم يسعفوا الاقتصاد السوداني المنهك، فهذه الرسالة قد يكون لها ما بعدها وهي لم تخرج على المألوف في جوهرها، لكن صوتها كان زلزالاً صاعقاً بكل المقاييس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية