بعد ومسافة
“داعش” غياب الاسم وبقاء الفعل!
مصطفى أبوالعزائم
عندما بدأت كتابة هذه المادة، لم تكن هناك جهة ما، قد أعلنت عن تبنيها للعمل الإرهابي البربري الذي استهدف أحد مساجد مدينة “بئر العبد” في محافظة شمال سيناء قرب عاصمتها العريش.. وهو كما نعلم جميعنا عمل أقل ما يوصف به أنه خسيس وجبان، لأنه انتهك حرمة بيوت الله في يوم من الأيام المباركة (الجمعة)، ويعتبر مثل هذا الفعل الشنيع إفساد في الأرض، استهدف أمن مصر وسلامة أبنائها ووحدتهم وقوتهم، وقد جاءت الضربة من حيث لا يمكن أن يتوقعها أحد أو تخطر ببال بشر في يوم (جمعة)، وداخل مسجد اجتمع فيه أهالي قرية الروضة القريبة من مدينة بئر العبد.. وهو مكان قد لا يتم فيه تشديد الحراسات بالقدر الكبير، على اعتبار أن المساجد لم تكن هدفاً من قبل للمتطرِّفين والدواعش، أو للمتشدِّدين الذين يستهدفون الأضرحة والغياب، إذ أن المنطقة التي وقع بها هذا الحادث، تعتبر من المناطق التي يتبع قاطنوها وأهلها لإحدى الطرق الصوفية.
صحيح أن كل سيناء أصبحت ساحة للحرب على الإرهاب في مصر، وأن الدولة المصرية بكامل مكوِّناتها ركزت على القضاء المبرم على الإرهاب والإرهابيين الذين تمركزت قوتهم في شبه جزيرة سيناء، وأنهم كانوا يستهدفون المناطق والنقاط العسكرية، لكن الوجود الأمني للجيش المصري والشرطة في تلك المناطق جعل المتطرِّفين ينقلون نشاطهم إلى ميادين أخرى، بحيث أصبح يستهدف المدنيين، بل ويستهدف المواطن الآمن في دور العبادة، مع اختيار توقيت تتوجه فيه القلوب لله تعالى من يوم (الجمعة)، وتعتبر المساجد ودور العبادة عموماً في الأيام المخصصة لأداء العبادات مناطق (رخاوة أمنية) لا يتم فيها تشديد الحراسات، وهو ما جعلها هدفاً لتلك العصابات الإجرامية التي أتت على أرواح مائتين وخمسة وثلاثين من المصلين غير المصابين في ذلك الهجوم الغادر.
ردة الفعل الرسمية المصرية كانت متوقعة ليس على مستوى الرئاسة فحسب، بل على مستوى المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والحزبية، فقد تضمَّنت إدانة الجريمة البشعة ومرتكبيها، مع مساندة الجيش والشرطة وبقية القوى الأمنية في حربها على الإرهاب الذي يتدثَّر بالعنف، ويتسمى بأسماء مختلفة إذ يحمل اسم” النصرة” تارة و” داعش” تارة وغير ذلك من أسماء.. صحيح أن اسم “داعش” قد غاب، لكن الفعل قد بقي ونرى الآن استهداف المساجد قد بدأ بعد أن كانت الكنائس هي الهدف.
ردود الفعل العربية والإسلامية والعالمية كانت متوقعة، وكذلك موقف السودان حكومة وشعباً، وهو ما يستدعي سرعة التعاون بين دول المنطقة لمحاربة ظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية، ومصادر تمويله وتسليحه، لأنه داء سريع العدوى والانتقال لا تمنعه حدود ولا يبطل مفعوله تحوُّط.
ونعجب حقيقة في تحوُّل أرض سيناء إلى مركز للإرهاب الذي يستهدف الشقيقة مصر في أمنها ووحدتها وهي أرض – سيناء – لم تعرف طوال تاريخها مثل هذه الأعمال الوحشية، وقد نلت شرف زيارة أرض الفيروز والقمر كما يسميها أشقاؤنا في مصر، عقب تطهيرها من الاحتلال الإسرائيلي في أبريل 1982م، وقد زرتها في أكتوبر من ذلك العام للمشاركة في أول جلسة لبرلمان وادي النيل الذي ضم برلمانيين من مجلسَيْ الشعب في كل من السودان ومصر، وخاطب جلسات ذلك المؤتمر الرئيسين “جعفر نميري” – رحمه الله و”حسني مبارك” – فك الله أسره – وكان محافظ محافظة شمال سيناء في ذلك الوقت أحد أبطال حرب أكتوبر 1973م، وهو اللواء “منير شاش” (1931 -2011م)، وقد ظل محافظاً لمحافظة شمال سيناء لأربعة عشر عاماً، – تقريباً – لم تشهد فيها هذه المنطقة أية أعمال عنف إرهابية، وقد اهتمت الدولة المصرية بتنمية كل شبه جزيرة سيناء من خلال برنامج تنموي ضخم هو (المشروع القومي لتنمية سيناء)، الذي اقترحه المرحوم اللواء “منير شاش”، والذي شهدنا خلال رحلتنا تلك إلى مدن وقرى شمال سيناء كيف كان الأهالي يلتفون حوله، لأنه كان يهتم بقضاياهم ويحترم تقاليدهم ويشكرهم في إدارة شأن المحافظة.. شهدنا ذلك ووقفنا عليه في مناطق “بئر العبد” و”العريش” وما حولها، وفي “رفح المصرية” و”أبو زنار” والشيخ “زويد” وغيرها.. وها نحن نشهد الآن وبكل أسف كيف يحاول الإرهاب أن يدمِّر ما بنته أيدي النجباء الأخيار من أبناء مصر.. وهذا لا نظن أنه سيحدث أبداً ومصر عن بكرة أبيها ومعها كل العالم يرفضون هذه الأساليب الرخيصة التي تستهدف سفك الدماء وانتهاك حرمات بيوت الله وترويع الآمنين.
اللهم أحفظنا واحفظ بلادنا ومصر وكل بلاد المسلمين من كل سوء.. ونسألك أن تعزنا وأن تعز المسلمين في كل مكان واحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين في كل مكان .. آمين.