بعد ومسافة
(حريق الجزيرة).. الإطفاء في الإعفاء!
مصطفى أبو العزائم
لم تشغل قضية سياسية قطاعات واسعة وعريضة من الناس في الآونة الأخيرة، مثلما شغلتها قضية الصراع داخل ولاية الجزيرة بين الوالي الدكتور “محمد طاهر أيلا” وبين قيادات بارزة كبيرة ونافذة داخل حزب المؤتمر الوطني بالجزيرة، والذي يرأسه السيد الوالي نفسه، لكنه– فيما يبدو– لا يتوافق مع كثير من أعضائه في القيادة، وداخل المجلس التشريعي بالولاية، مما دفع به إلى فصل تسعة عشر نائباً من أعضاء المجلس، وهو ما فاقم الأزمة، واستدعى تكوين لجنة للتحقيق تكون من ضمن مهامها تقديم مقترحات وتوصيات تعمل على تفكيك مفاصل الأزمة، حتى يعود الانسجام والتوافق ما بين الوالي وقيادات حزبه هناك، وقد عملت اللجنة بجد واجتهاد، وبذل رئيسها الدكتور “أزهري التجاني” مع أعضائها جهوداً عظيمة ومقدرة تمثلت في توصيات عملية أولها إبطال مفعول قرار فصل النواب، وتوصيات أخرى كلها كانت تعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وحسب الكثيرين من متابعي الأحداث أن الحل وشيك.. وعلى الأبواب.
المتفائلون بثوا ونشروا أخباراً في ذات اتجاهات رجاءاتهم وتمنياتهم أكدوا فيها على أن السيد رئيس الجمهورية الذي يرأس الحزب الحاكم سيقوم بزيارة إلى ولاية الجزيرة، وأنه سيخاطب المواطنين وأعضاء حزب المؤتمر الوطني هناك من داخل المجلس التشريعي، وكان هذا يعني صب الماء على نار الأزمة.. و.. لكن يبدو أن أحد الطرفين لم (يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) فتخندق وراء مواقف صلبة، وجمع حوله من الأنصار والمساندين ما هدد بانقسام الحزب نفسه، وهو ما أدى إلى تدخل الرئيس شخصياً بإعلان حالة الطوارئ في الولاية وحل المجلس التشريعي، الذي لن تجري المنافسة على مقاعده بالانتخاب قبل تسعين يوماً، وهو ما يرى البعض أنه سيزيد شقة الخلاف ويزيد طينته بلة، بينما يرى آخرون أن الحل في الحل، وأن ذلك هو الأصوب، وأن فترة الثلاثة أشهر فترة كافية لأن ينفد الوالي كل ما كان سيتم الاعتراض عليه من داخل المجلس التشريعي، بينما يستعد النواب المسرحين للعودة إلى قواعدهم والاستعداد للمعركة القادمة عبر أصوات الناخبين وصناديق الاقتراع، مع اعتراضهم على المرسوم الرئاسي، لكنهم لا يستطيعون الاعتراض أو الاحتجاج بحسبان أن هذا هو حق دستوري لرئيس الجمهورية، والذي يتخذ قرارات مثل إعلان حالة الطوارئ أو حل المجالس النيابية وفق تقديرات خاصة.
ومثلما لم تشغل قضية سياسية الناس مثل قضية الصراع داخل ولاية الجزيرة، فإنه لم تُشعل قضية سياسية وسائل التواصل الاجتماعي مثلما أشعلتها القرارات الرئاسية، فالبعض يرى أنها لم تطفئ الحريق في الولاية التي لم تعرف صراعاً صاخباً مثل الذي بين الوالي وبين عدد من قيادات المؤتمر الوطني، وأنها قد تقود إلى انقسام داخل حزب المؤتمر الوطني بالولاية، وإلى أن يخسر الحزب قيادات أهلية ومحلية مؤثرة حال أن يفهم الناس أن هذه القرارات إنما تعزز من موقف الوالي ومناصريه.
إذن ما الذي كان يتوقعه الناس؟ بل ما الذي كنت أتوقعه شخصياً لحل هذه الأزمة المستفحلة؟ كنا نتوقع أن يصدر قرار بحل المجلس التشريعي، والاستعداد لانتخابات جديدة خلال تسعين يوماً، لكن يسبقه قرار بإعفاء الوالي من منصبه وتكليف نائبه بتصريف الأمور إلى حين صدور قرار بتعيين والٍ جديد قبل نهاية فترة الثلاثة أشهر.. وفي هذه الحالة لن يكون هناك انتصار لجهة على حساب جهة أخرى، فالحل الذي كنا نرى أنه الأنسب لإطفاء حريق ولاية الجزيرة هو الإعفاء.