مولانا "أحمد هارون" في حوار المراجعات مع (المجهر) عن الحكم الفيدرالي:
“هارون” الإنقاذ أمام خيارين أحلاهما مُر
يجب مراجعة الحكم الفيدرالي بما في ذلك حدود الولايات وعددها
هلال الأبيض حالة نهضت بروح الناس.. ولن نفتح جراحات قُبرت في الماضي
هذا آخر خبر من طريق (بارا ــ أم درمان)
حوار – يوسف عبد المنان
تدهشك تعبيراته عن قضايا الراهن مثلما تأخذك رؤيته لمآلات واقع شديد التعقيد.. حينما بزغ نجمه في الفضاء السياسي بعد تصدع التيار الإسلامي إلى حزبين، مثل ذلك الشاب ترياقاً في مواجهة السهام التي صوبت نحو الفريق “البشير”.. وضع يده بالقرب من الرئيس منافحاً في إخلاص وتفانٍ، ودفع ثمن ذلك استهدافاً دولياً بما عُرف بقضية المحكمة الجنائية.. وحينما أخذ بعض (المتخاذلين) المرعوبين من غلظة الاتهام وخطورته يهمسون سراً بأن “هارون” يمكن تقديمه كبش فداء للنظام.. نهض “البشير” وقاوم وأسكت كل الأصوات التي كانت تهمس همساً دون إفصاح.. أينما ذهب مولانا “أحمد هارون” تبعته عيون الناس والأقلام وعدسات الإعلام وميكرفونات الإذاعات لما للرجل من عطاء وبذل في الميادين التي يخُتار لها ولا يختارها هو.. ولو قدر لـ”هارون” أن يختار كما قال لاستراح في فضاء القضاء الواقف (المحاماة) ولكن ما بين وزارة الداخلية وملف دارفور والشؤون الإنسانية ومعركة التفاوض وتفاصيل التفاصيل بين الحكومة والحركة الشعبية في الفترة الانتقالية صعوداً لمحطة جنوب كردفان التي صنع فيها الرجل من رماد المعارك تنمية ومشروعات شمخت ونهضت، وحينما غادرها ماتت وأصبحت أطلالاً ينعق عليها البوم.. وجاء لمحطة الأبيض (مديرية اللالوب) التي بدت يوم مجيئه مغبرة عليها قترة، ترهقها سنوات عجاف من التجاهل والنسيان.. وما بين جفاف الضرع.. وموت الزرع وبذرة الأمل.. أخذ مولانا “هارون” على عاتقه النهوض بإنسان حطمته ثنائية العطش والجوع.. (المجهر) التقت “هارون” بمنزله بالأبيض في حديث لم يخلُ من بعض التفجيرات السياسية، ولكن ماذا قال “هارون”:
{ عاشت الأبيض الأسبوع الماضي احتفالية بالدكتور “عثمان أبو عجل” وإعادة افتتاح الصيدلية الوطنية ومسألة إعادة مجتمع الأبَيِِّض القديم.. بعد أن أصبحت لدينا (أبَيِّض) جغرافية و(أبَيِِّض) اجتماعية وما بين (الأبَيِّضين) هناك مساحة.. هل تكريم “أبو عجل” وافتتاح الأجزخانة هو محاولة لإعادة (الأبََيِِّض) الاجتماعية لحيز (الأبََيِِّض) الجغرافية؟؟
– هذا سؤال عميق جداً ولا تبدو الإجابة عليه سهلة لأن استعادة الماضي صعبة جداً، ولكن أنا بنظر للدلالات والرمزيات، إن الناس الذين تركوا الأبيض أخذوا يعودون إليها وهي بطبعها مضيافة وقبولها للآخر كبير.. نعم تشكلت الآن أبيض جديدة وما بين الأبيض الجديدة والأبيض القديمة حتماً سوف تتشكل أبيض تسع الاثنين معاً.. نجد فيها سمت عروس الرمال القديمة ونجد نكهة وسمت الأبيض الجديدة، والتي تميزت بالتداخل السكاني الجديد بثقافات أخرى.. أعتقد أنه يصعب رجوع الحال القديم ويصعب استعادة الحال على ما هو عليه، ولكن نعمل على تشكيل مستقبل للأبيض، وكردفان تسع القديم والحديث.
{ الأبيض القديمة انتقلت لأم درمان بفضل التطور والتداخل وبسوء الجفاف والتصحر ونقص المياه وفي ذلك أصبح رأس المال الذي كانت تعتمد عليه الأبيض قد هاجر بعيداً إلى الخرطوم ومدني وبورتسودان كيف تستفيدون من هذا المكون على الأقل بالوجدان القديم؟؟
– أهم دافع جعلنا نتحرك لعودة رأس المال للأبيض هو دافع الانتماء لأن الأبيض مدينة تترك أثراً عميقاً في إنسانها.. وهي مدينة (حنونة) بالبلدي مضاف لذلك سياساتنا الاستثمارية القائمة على تعزيز الفرص التنافسية لمنتجاتنا بإضافة سلسلة من القيم المضافة لمنتجاتنا.. وفي ذلك سقفنا السماء تجاه أية تسهيلات يمكن أن تعيد توطين الصناعات التحويلية داخل المدينة، ولحسن الحظ هذا ما نص عليه البرنامج الخماسي للاقتصاد.. دعنا نأخذ إشارة افتتاح الصيدلية الوطنية، بالضرورة صيدلية في الخرطوم كسبها المادي كبير جداً مقارنة بالأبيض لكن الدكتور “مكي أبو عجل” إحساس الانتماء هو الذي جعله يعود للأبيض.. هذا ما يجعلنا نخاطب قطاعات أخرى من العاملين في أسواق المحاصيل والعاملين في مجال الصادر خاصة وأن منتجات القطاع المطري التقليدي تشكل مصدر العملات الثاني بعد البترول.
{ ما بين الانتماء والحب والعصبية خيط رفيع جداً، فكيف تشكل سودان واسع بهويات مختلفة..؟
– مجتمع الأبيض القديمة تشكل من كل السودان.. المجتمع الذي تشكل حديثاً أيضاً يضم كل السودانيين.. لذلك تعريفنا لأبناء شمال كردفان تعريف واسع وفضفاض من الذين عملوا كموظفين وحتى الذين يطربون لـ”عبد القادر سالم” و”عبد الرحمن عبد الله” أو مدايح أولاد “البرعي” كل هؤلاء أبناء شمال كردفان السودان المصغر.. نحن ولاية يصعب عليها الانغلاق على نفسها.. والصيرورات بين القديم والجديد هي صيرورات سلسة وليست متنازعة، نحن ولاية الثقافة المتعايشة لا الثقافات والهويات المتصارعة.. نحن لا نعاني من تحدي انغلاق على النفس بقدر ما نحن نتمدد وننفتح على وطنا الكبير.
{ نشاط “أحمد هارون” وحركته اليومية وامتدادات علاقاته وتكوين حكومته منفتحاً على الآخرين حد تلاشي وذوبان المؤتمر الوطني.. وبعض الناشطين في حزبك يعتبرون انفتاح “هارون” على الآخرين يمثل سلباً من رصيدهم؟؟
– هذه سمات وطبيعة المكان.. شمال كردفان الانتماء الاجتماعي فيها أكبر من البعد السياسي.. وتقودها بالمجتمع أكثر من قيادتها بالسياسة.. أعتقد هذا دليل عافية ويمكنه حل كثير من مشاكلنا حتى على المستوى المركزي القومي.
{ ألا يمثل ذلك خصماً على رصيد حزبك؟؟
– أبداً يمكن أن يقويه لأنني أعتقد أي حزب بيكسب حينما يكون المناخ نقياً وغير متوتر.. دعنا ننقي الأجواء ونعمل على المشتركات بين الناس، ومبادرة الحوار الوطني والحوار المجتمعي هي بحث عن الحالة التي نعيشها الآن وهي المجتمع المتصالح القادر على التعايش وفق المشتركات.. أكثر من الكسب الحزبي الضيق المحدود.
{ وهل عبَّر صعود هلال الأبيض عن حالة نشوة وانتصار لولاية غابت عنها الأفراح؟؟
– شوف صعود هلال الأبيض الناس نظرت إليه كفريق يعبر عن الولاية ككل.. لذلك تماهى معه المريخاب والمورداب والتحرير والترناسة والأعمال الحرة والرفاق.. هو تعبير عن أمل.
{ هي حالة عصبية أم نشوة ثقافية؟؟
– لا ليس كذلك هي حالة، إن التغيير نحو الأفضل والأمل ممكن.. لذلك احتشدت إرادة الناس وهذا الذي يفسر حالة الفوز بالميداليات في ألعاب القوى الأسبوع الماضي في سباق الجمهورية للضاحية أثبتت إرادة التغيير والأمل أنها أقوى من اليأس والقنوط.. هذا ما أشار إليه شيخ “علي عثمان محمد طه” عندما دعا لنفير كردفان كفكرة.. حينما دعا أهل كردفان للجلوس وتحديد خارطة المستقبل دون تدمير وطنا.. أهم قيمة مكتسبة من النفير هي إرادة صناعة المستقبل.. كل شخص الآن تقمصته روح التحدي.. أنا لاحظت هذا من الدورة المدرسية السابقة حينما حصلوا على ثلاثة كؤوس من أربعة في لاعبي الهلال ولاعبي ألعاب القوى، كان واضحاً روح الإصرار وفي كل القطاعات هناك رغبة في وضع شمال كردفان في الصدارة.. هذه هي الإرادة التي تبني الولاية.. وهذا ما يفسر حالة الهلال.
{ البلاد الآن مقبلة على مراجعة سياسية للحكم الفيدرالي وبعض المدارس تعتقد بأن جوهر الحكم اللامركزي يقيم حق الناس في اختياراتهم في من يحكمهم، فهل إذا النظام الفيدرالي فقد تلك الخاصية أي حق الناس في الاختيار والانتخاب هل يمكن تسمية فيدرالية التعيين والقبضة المركزية بالفيدرالية؟
– نحن (اتوضعنا) أمام خيارين أحلاهما مُر.. إذا كانت عملية الانتخابات تقوم على المحاصصة القبلية وتشعل نيران الانتماءات الأولية والعشائرية من جديد يبقى نحن أصبنا الحكم الفيدرالي في مقتل، وبالتالي للحفاظ على حياة الحكم الفيدرالي لابد أن نتجرع الدواء المُر بأن نتنازل عن بعض الأشياء ومنها انتخاب الولاة، بل أنا لديَّ رأي شخصي أنا أعتقد أن تجربة الحكم الفيدرالي كلها يجب فرشها في بساط البحث والمراجعة بما في ذلك حدود الولايات الحالية.
{ تعني أن تتم مراجعة التجربة هياكل وقوانين وتشريعات؟؟
– نعم يجب أن نخضع الحكم الفيدرالي للمراجعة بما يعزز الوحدة الوطنية ومبادرة الأخ الرئيس هو طرحها شاملة.. ويجب أخذها بشموليتها وتتسم بجرأة أكبر.
{ هل هذا برنامج المؤتمر الوطني أم برنامج حوار لكل القوى السياسية؟؟
– برنامج حوار شامل لأنه أمر يهم كل الناس.
{ أنت تعتقد أن تعيين الولاة في تقديرك (مؤقت) وليس (دائم) باعتبار أن النظام الفيدرالي أصلاً يقوم على حق الناس في الاختيار؟؟
– بالضبط.. يعني لكل حالة ظروفها..
{ هذا جهد المؤتمر الوطني أعني أن الحكم الفيدرالي الحالي هو ثمرة لرؤيتكم كمؤتمر وطني هل تتنازلون للإصغاء لرؤية وأطروحات الآخرين؟؟
– الآخرون شاركوا في نيفاشا 2005م، وفي القاهرة وأسمرا وأبوجا لم يضيفوا الكثير لنظرية وجهد المؤتمر الوطني، يبقى العيب ليس عيب المؤتمر الوطني بل هو عيب الآخرين.. هل لهم إضافات لجهدنا أم لا؟ لا يمكن أن يؤاخذ المؤتمر الوطني على عجز الآخرين. نحن قادرون على صنع مبادرات ولكن الآخرين عاجزون عن الإضافات الحقيقية.. بالتالي الفرصة متاحة للمراجعات بما يحقق نظام الحكم الأمثل.
{ لقد تم تحميل الحكم اللامركزي وحده بروز القبلية والعصبية، هل هذا الحديث دقيق وكل مشكلات القبلية والعصبية هي جنين في أحشاء الحكم اللامركزي خرج الآن فقط؟؟
– هو سبب ضمن أسباب أخرى كثيرة، ولكن يتحمل هو المسؤولية الأكبر.. نحن هنا في شمال كردفان تجربتنا خلاف الولايات الأخرى انتهجنا التوافق لأننا استشعرنا خطورة التنافس لطبيعة مجتمعنا الذي تتقدم فيه الاجتماعية على السياسية.. لذلك تمت انتخابات توافقية حتى لا تفتح نوافذ لأشياء قُبرت من سنوات لتعود من جديد، فالوعي السياسي والمجتمعي في شمال كردفان كبير جداً بالتالي أعتقد أن هذا نقطة تسجل لصالح شمال كردفان في تجربتهم.. يجب أن نعيد النظر في أشياء كثيرة بغرض تعزيزها وتقويتها والمضي بها للأمام.
{ هل يمكن أن نبلغ مرحلة إلغاء الحكم الفيدرالي؟؟
– الإلغاء غير ممكن ولكن التجويد ومعالجة السلبيات هو المطلوب..
{ الإحساس العام أن في الأفق تلوح مركزية جديدة قادمة؟؟ خاصة بعد توجه الحكومة نحو مركزية ملكية الأرض؟؟ وقانون الأراضي؟؟
-أبداً أنا أشعر تظل الموازنة ما بين ما هو مركزي وما هو ولائي تعتمد بدرجة كبيرة على جملة من الأشياء منها مستوى الممارسة السياسية وقوة المؤسسات السياسية مقابل المؤسسات الأخرى لو قبائل أو غيرها قوة الاقتصاد.. الفرضية أنك تريد البحث عن فرص جديدة للاستثمار الأرض إذا ظلت خاملة لا قيمة لها، قيمة الأرض بتدخلات الحكومة بالتسجيل ويكون عندها قانون التدخل الحكومي يمنحها قيمة.. القانون المطروح للأرض لا يصادر سلطة الولايات كلية لكن يفسر نصاً فضفاضاً في الدستور القومي الذي كان يتحدث عن أراضٍ قومية ويتحدث عن أراضٍ ولائية ولكنه لم يحدد.. الآن التعديل المطروح هو محاولة تفصيل لما أجمله الدستور.. لم يطرح شيئاً جديداً..
{ بصراحة شديدة ملف طريق (بارا ـ أم درمان) في ما يلي الشركة الصينية بالضبط ماذا يحدث؟
-آخر موقف حضر به السيد وزير الدولة بالمالية من الصين الأخ د. “عبد الرحمن ضرار” متبقي فقط التوقيع على اتفاق فني جداً متعلق بكيفية السحب على القرض، والآن الانفراج الذي حدث مع الدول العربية خاصة ما يلي حرية حركة الأموال تعطي حلولاً كثيرة وقوة دفع لحل المشكلة.
{ حتى الآن يا مولانا لم يحدد متى تأتي الشركة المنفذة ومتى يبدأ العمل في طريق (بارا ـ أم درمان)؟
-بصراحة شديدة أنا الآن مطمئن أكثر من أي وقت مضى أن الشركة الصينية (قادمة قادمة) لطريق (أم درمان ــ جبرة ــ بارا) ومحطة “الفولة” الحرارية ومطار الخرطوم الجديد.. هذه المشروعات تجاوزت مرحلة الحكم والبشارة إلى الواقع تماماً يفصل بيننا وحضورها فقط الإجراءات الفنية، ووفد الوزير متواجد الآن في بكين ليوقع على التفاصيل.. حتى ذلك الآن نحن لن نتوقف أبداً لقد مددنا عمليتها التي بدأها النائب الأول في 8 يوليو لبلوغ الكيلو (100) وهذا يمثل ثلث الطريق.. وبنفس مواصفات الطريق..
{ متى تكتمل المائة كيلو؟
-حسب الخطة نصل مرحلة الأسفلت في يونيو القادم والقدرة التي أنجزت ثلث الطريق قادرة على إنجاز الثلثين.. أنا أشعر الطريق (دربو مرق) بصراحة.. و(قدينا عين الشيطان تب).. وهي مسافة معتبرة..
شكراً مولانا ..