ما هكذا تكسب الحريات..!
قيام محكمة للصحافة والمطبوعات للنظر في مخالفات النشر الصحفي مادة منصوص عليها في قانون الصحافة، ولذا فإن الخضوع لسلطاتها وأحكامها هو احترام للدستور والقانون.
لا يليق بنا كصحافة محترمة تريد لدولة حكم القانون أن تسود، رفض أحكام القضاء بعد صدورها رغم اعترافنا بها وقبولنا المثول لديها!
كان مفهوماً أن يرفض رئيس التحرير أو أي صحافي أو كاتب الظهور أمام المحكمة من حيث المبدأ، بحجة أن قضايا النشر لا تحتاج لمحكمة، وأن لكل شخص الحق في أن يكتب ما يشاء.. يسيء.. يشتم .. يكذب.. دون جزاء!
أما وقد قبلتَ التقاضي أمام القاضي الموقر وظللتَ تحرص على حضور الجلسات لعام أو عامين، وأنت تعلم سلفاً أن العقوبة المتوقعة هي الغرامة، وفي حالة عدم الدفع السجن، فإذا صدر الحكم بالإدانة فاجأت الجميع برفض قرار المحكمة بالغرامة واخترت الذهاب للسجن، فإن ذلك لا يعدو كونه عملاً سياسياً ساذجاً، ومحاولة لتضليل الرأي العام المحلي والدولي، وتزوير فاضح للحقائق.
لقد سلك هذا المسلك أكثر من ناشط أو ناشطة سياسية، وما أقدموا عليه من ادعاء كذوب للبطولات لم يرفع درجاتهم يوماً (مليمتراً) واحداً في مقاييس شعبنا الواعي الحصيف، قد يحقق لهم ذكراً محدوداً في سجلات سفارة أجنبية أو منظمة غربية، لكنه لا يؤسس لمواقف نضالية حقيقية ومشروع وطني جدير بالاحترام.
إذا كان المحكوم بالغرامة يرفض دفعها ويفضل “سجن الهدى” أو سجن النساء بأم درمان، فلِمَ يتراجع ويمتثل للتدخلات ويغادر (العنابر) بعد أقل من (24) ساعة من الحبس؟! لِمَ لا يواصل الناشط أو المناضل نضاله من أجل الحريات، فيبقى في السجن حبيساً للمدة المقررة في حالة عدم الدفع وهي ثلاثة أو ستة أشهر؟!
إنها للأسف مزايدات وعنتريات لا قيمة ولا معنى لها، والأهم من ذلك أنها كذب وتضليل للشعب السوداني!!
واللافت أن الشاكي في القضيتين الأخيرتين مثار الجدل، كان جهاز الأمن والمخابرات! فهل نشجع الجهاز على اللجوء للقضاء إن تضرر كمؤسسة أو تضرر رئيس الجمهورية من نشر حوى أكاذيب وإشانة سمعة أو إثارة وتحريضاً ضد الدولة، أم نتركه – الجهاز – يعتقل الصحفيين ويصادر الصحف بحجة أن قانونه يسمح له بذلك؟!
هل نشجع جهاز الأمن على هذا السلوك الحضاري بالاحترام لسلطة القضاء.. أم نمارس المزايدات والبطولات، لتبقى في مواجهتها سلطة القمع والإرهاب؟!
لو كان الأمر متعلقاً باعتقال صحفي أو صحفية في حراسات جهاز الأمن على خلفية نشر مادة صحفية، مهما كانت، فإننا دون حاجة لتفكر وتدبر، نرفض الاعتقال جملةً وتفصيلاً.
ولو كانت الشكوى متعلقة بمصادرة الأمن لعدد من صحيفة أو صحف عقاباً مالياً قبيحاً على نشر مادة في عدد سابق أو ذات العدد المصادر، فإن من يوافق على مثل هذه الإجراءات التعسفية فاقد للضمير المهني والأخلاقي ولا يجوز له الانتساب لقبيلة الصحافة الراشدة والمسؤولة.
لكننا أمام حكم محاكم.. فكيف لنا أن نرفض القانون.. يمكننا أن نستأنف القرار.. لا رفضه بعد قبول التقاضي!
أكثر من مرة خضعت (المجهر) وصحف كنت أديرها لحكم المحكمة، رغم أن موضوعات الاتهام كانت أضعف بكثير من حالات الرافضين، فسددنا في صمت (غرامات) تفوق ما رفض هؤلاء المناضلون دفعه، فدفع عنهم زملاء آخرون أو اتحاد الصحفيين، ثم خرجوا من السجن بعد ساعات بعد أن ملأوا الدنيا وشغلوا الأسافير!!
ما هكذا يكون النضال.. ما هكذا تكسب الحريات ويتعافى الوطن.