مسامرات
ربكة “محمد الأمين”
محمد إبراهيم الحاج
{ تفاجأ القائمون على أمر كورال كلية الموسيقى والدراما بإنذار قانوني من الفنان “محمد الأمين” يحذرهم فيه من ترديد رائعة شاعر الشعب “محجوب شريف” (السودان الوطن الواحد ما قد كان وما سيكون).
{ الإنذار وصل إلى الكورال قبيل بدء حفلتهم الجماهيرية، وبعد أن أعلنوا أنهم سيرددونها ربما تجاوباً مع دعوة “محمد الأمين” ذاته بضرورة التغني للوطن.
{ والحيرة أظنها تغلف أدمغة القراء مثلما تلفني.. فـ”محمد الأمين” الذي لم يترك منبراً أو حشداً موسيقياً أو فنياً لم يتحدث فيه عن مبادرة الغناء للوطن.. ورغم ملاحظاتنا على طريقة “محمد الأمين” في هذه الدعوة التي ربما هي (سنّة) افترعها الموسيقار الكبير إلا أنه يمكن تصنيفها في خانة (النوايا الحسن) لمطرب يدرك تأثير الفنون في حياة الشعوب.
{ نعم، يدرك “محمد الأمين” تأثير الفنون وخاصة الغناء في التوثيق ونقل تجارب الشعوب الإنسانية والثورية والوجدانية.. ودونكم (ملحمته) الشهير (قصة ثورة) التي صارت أيقونة ثورة أكتوبر التي احتفل الشعب السوداني بذكراها قبل أيام.
{ وهذا الإدراك أيضاً لم يمنع “محمد الأمين” من أن (يناقض) دعوته بمنع الكورال من ترديد أغنيته الكبيرة، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بأن حذرهم بإنذار قانوني.. إنذار جعل إدارة الكورال غير قادرة على استيعاب فكرة المنع.. ومن “محمد الأمين” بالذات.
{ كورال كلية الموسيقى والدراما سبق أن التقى “محمد الأمين”.. بل وكرّمه في حفل جماهيري بالمسرح القومي بأم درمان، وردد الكورال وقتها أغنية (خمسة سنين) وهي كانت إحدى الأغاني التي ثبتت نجومية الكورال لدى الجماهير، ربما لم يدر بخلد الكورال أنه سيقف مثل هذا الموقف (المحرج للغاية)، فبعد أن أكمل أفراده بروفات الأغنية وأعلن عن التغني بها في حفله الأخير بجانب أغنية “فيروز” (اعطني الناي وغنِ) تفاجأ قبيل بداية الحفل بالإنذار يلوح به (شلضم) منظم حفلات الكورال.. أسقط في يد المجموعة الغنائية وقتها.. وفارت الأسئلة ليس في أذهانهم فقط بل في أذهان كل المتابعين والمراقبين للساحة الفنية، فـ”محمد الأمين” يقدم أدباً جديداً في (قضم) فكرته التي يبشر بها بنفسه.
{ إذا كانت الأغنية التي ينوي الكورال التغني بها أغنية عاطفية ربما وجدنا العذر لـ”محمد الأمين” في منعهم.. لكن أن يأتي منعهم في وقت يحتاج فيه إلى الترويج للأغاني الوطنية هو أمر يجعلنا نتساءل عن سر إطلاقه مبادرة الغناء للوطن، ويكون هو أولى أدوات (وأد) فكرته ومشروعه الوطني!!
{ نعم.. “محمد الأمين” يعد أحد كبار الساحة الفنية- إن لم يكن أكبرهم جميعاً- هو كبير الساحة بتاريخه الغنائي العريض، وببصمته الفارقة في تاريخ الغناء السوداني، كما أنه أحد اثنين بجانب الراحل “وردي” ارتبطا في أذهان الناس بالأغاني الوطنية.. بوصفهما أكبر موثقين للحركة الفنية خلال ثورات أكتوبر وأبريل المجيدتين.. ومع ذلك لم يتعامل “محمد الأمين” بما تقتضيه لوازم (زعامته) للأغنية السودانية، وتعامل مع الكورال كـ(ند) لهم.. يرتضي الدخول معهم في مشاحنات قانونية، فقط لأنهم انتووا أن يكونوا جزءاً من مشروعه في الغناء للوطن.
{ إلى “محمد الأمين”.. أرجو مراجعة (اشتراطات) مشروعك في الغناء للوطن.
} مسامرة أخيرة
{ استقبال الناس القوي لمسرحية (ملف سري) التي تعرض الآن بقاعة الصداقة بالخرطوم ليس معناه أن المسرح بدأ يستعيد عافيته.. لأن المسرح صناعة وهو بمثابة عنوان لتقدم ورقي الأمم.. لكن أظنها حالة من النشاط الذي سيتبعه (بيَّات) شتوي طويل.
{ تفاءلنا قبل ذلك باحتفاء الناس بمسرحية (المهرِّج) وقلنا إنها ستكون بداية نهاية خصام طويل بين المسرح والجمهور، ولكن الأمر عاد مرة أخرى كأن شيئاً لم يكن.
{ نجاحات المسرح في السودان لا تعدو سوى أن تكون مبادرات فردية ونتاج جهد خاص، ليس للدولة ولا أية جهة رسمية أو شعبية يد في هذا النجاح.. هي مجرد طفرات تظهر بين الفينة والأخرى.. ثم لا تلبث أن تعود إلى مكانها الطبيعي تشكو لطوب الأرض الصلدة.