أخبار

غياب المبادرات

نحو عامين والحرب قد توقفت استجابة من الحكومة وفرقائها المتمرِّدين لضغوط العالم الخارجي.. وبات وقف إطلاق النار يعقبه وقف آخر.. وتقديراً من الولايات المتحدة لموقف الحكومة المستجيب لنداءات وقف إطلاق النار ضمن أربعة مسارات، أخرى رفع عنها عقوبات اقتصادية مهلكة ومعقَّدة، وتبقَّت عقوبات فرضها الكونغرس الأمريكي ينتظر رفعها إذا سارت الأمور على ما يرام.
سنوات وقف إطلاق النار أهدرت عبثاً في الانتظار ولم نشهد أي دور إيجابي لمنظمات المجتمع المدني بتعريفها العريض من إدارة أهلية ونقابات ومنظمات طوعية وأندية رياضية وحتى أطراف شبه حكومية.. كان يمكن أن تساعد الحكومة في تجسير المسافة بين المجتمع المدني في المناطق التي تسيِّطر عليها الحركة الشعبية ومناطق الحكومة..الجميع ينتظر الحكومة أن تفعل وتقول وتشير وتمنح وتعطي وترضى وتغضب.. ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا منقسمة على نفسها، إما منظمات تسير في ركب المعارضة وتحمل لواء النضال وتسخِّر كل الذي تحصل عليه من دعم أجنبي في دعم الأنشطة المعارضة للأفراد والجماعات، وبالتالي تفتقر مثل هذه المنظمات للحيدة والشفافية والنزاهة وتصبح مجرَّد فرع صغير في منظومة المعارضة المسلَّحة أو المعارضة السياسية المدنية.. وهناك منظمات حكومية ترضع من ثدي المالية حتى ترتوي بطونها.. وتهتف مع الهتيفة بشعارات الحكومة (تقبض) المال من خزانة المال العام لتقوم بتوزيعه على المواطنين.
ومثل هذه المنظَّمات لا تحظى إلا بثقة الحكومة وأفرادها وهؤلاء حينما يؤدون فريضة الحج السنوية في جنيف يختارون الوقوف يمين الحكومة، وبالتالي يخسرون أنفسهم وقضيتهم ولا يفيدون الحكومة في شيء.
كان متوقعاً ومنتظراً ومطلوباً من منظمات المجتمع المدني إن وجدت تسير القوافل إلى حيث مناطق التمرُّد تقديم الكساء والدواء ومسح الدموع على الخدود وكسر حاجز عدم الثقة، كما فعلت ذلك إدارة حكومية، ولكن بعقل سياسي مفتوح بعد توقيع اتفاقية الهدنة بوقف إطلاق النار بجبال النوبة.. نفَّذت مستشارية الرئيس للسلام مشروع سلام داخلي بتسيير قوافل محمَّلة بالغذاء والدواء.. والطواحين وأندية المشاهدة قدَّمتها استشارية السلام مجاناً لمواطني جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي..لأن المستشارية حينذاك يديرها عقل د.”غازي صلاح الدين” ويساعده “علي حامد” الوالي الحالي للبحر الأحمر ويتولى التنفيذ “صلاح عبد الله” الشهير (بهمشكوريب)، وساهمت قوافل الدعم وأفراح السلام في وقف وتبديد الشكوك، ولكن اليوم لا يجرؤ أحداً على التفكير خارج نطاق المرسوم سلفاً.. في يوم ما.. أبحرت جرارات السلام محمَّلة بالغذاء من ملكال وحتى الناصر، لأن القرار حينها كان للسياسيين ويتولى التنفيذ الراحلين الشهيدين القمرين النيِّرين “أحمد الرضي جابر” و”موسى سيد أحمد المطيب”، أما اليوم فقد باتت الدولة عاجزة عن فعل أي شيء وقمعت المبادرات.. وأجهضت الأفكار خوفاً من فقدان الوظائف والامتيازات. في جلسة مع مولانا “أحمد هارون” قبل شهرين سألته عن رؤيته حول فكرة لعب مباراة بين هلال كادقلي ومنتخب كاودة كمساهمة من القطاع الرياضي في كسر حاجز الخوف.. ضحك مولانا وقال :(ناسك ديل ما عندهم رجالة قدر ده)! بالطبع لم يقصد مولانا حكومة الجنرال “عيسى”، ولكنه يعني ما وراء حكومة د.”عيسى”، أي القابضين على ملفات الحرب والسلام في الخرطوم، مع أن هناك جهات مثل صندوق دعم السلام بجنوب كردفان أنشأت لمثل هذه المهام، ولكن طبيعة تركيبة الصندوق والقيادات التي جاءت بها الخرطوم للصندوق أحالته لصندوق إعاشة ويذهبون لبيوتهم (ما لهم والقراية أم دق)، ومثل صندوق دعم السلام عشرات المؤسسات العاطلة عن فعل أي شيء لمصلحة السلام خلال أمد الهدنة الذي ربما طال لسنوات فهل تبقى الأوضاع على حالها الراهنة؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية