أخبار

أحرق الموتر!!

{ من أغنيات الزمان القديم أغنية يقول الشطر الأخير: (أحرق البنسون.. حسابو علىَّ) وكان المدخنون ثلاث فئات مترفين وأثرياء يدخنون البنسون والمارلبورو والكنت وموظفين وطبقة وسطى لا تسمح أوضاع جيوبهم بغير سجائر البحاري والبرنجي وهناك طبقات ملح الأرض يدخنون أنواعاً أخرى زهيدة الثمن اللايف والقولد.. وكان تدخين السجائر والخنفس والانتماء القشري لليسار هو دليل على الإبهار والثقافة والحضارة.. قبل أن يصبح تدخين التبغ من مظاهر التخلف الحضاري.. وكانت المغنية الشهيرة “زهراء الرقاشة” في مدينة الأبيض تمجد سائق العجلة أي الدراجة الهوائية (تكل العجلة وجاء كداري وخشه السينما الدور الثاني) العجلة اندثرت وحل مكانها (الموتر)، مثلما زحفت الركشة على حقوق صاحب الكارو (أبو وجيها صارو)، إلا أن السُلطات الحكومية في شمال دارفور، شنت يوم (الجمعة) هجمات على سائقي المواتر بمحلية كبكابية التي على أطرافها يقيم الشيخ “موسى هلال”.. وهي المسرح المرتقب والمتوقع لأية صدام بين الحكومة والشيخ “موسى هلال”، كما يتمنى ذلك خصوم الإنقاذ والمتربصين بها من المتمردين وأنصاف المتمردين والمشجعين للعب الخشن أي كان مسرحه.. وهجمات سلطات ولاية شمال دارفور تجاوزت عمليات القبض والمصادرة التي تقوم بها الحكومة في بعض الولايات للمواتر لتقوم السلطات بحرق المواتر أمام أصحابها.. وقد بثت وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الخرطومية صوراً لألسنة اللهب والدخان المنبعث من حطام المواتر التي تم حرقها بعد مخالفة أصحابها لأوامر الطوارئ التي تنص على حظر ركوب المواتر في ولايات دارفور، واعتبار مخالف تلك الأوامر قد ارتكب جريمة يعاقب عليها قانون الطوارئ، كما حرقت (الكداميل) أمام أصحابها بعد نزع منهم عنوة باعتبار الكدمول ممنوع بأمر السلطة.. وقد شاهدت كيف تقوم قوات الدعم السريع في منطقة أم القرى مسقط رأس الجنرال “حميدتي” بمعاقبة من يرتدي الكدمول الذي تسرب للسودان من تشاد وشمال أفريقيا.. وهو لباس لسكان الصحراء من الطوارق والبربر.. وقيل عن الكدمول إنه كفن المسلمين حينما يخوضون المعارك.. ولكنه بات أداة جريمة مثل الموتر الذي يستخدم في النهب.. ولكن هل كل يعتبر كل أداة يمكن استخدامها في الجرائم ممنوعة؟ وإقدام السلطات على حرق المواتر يفتح باباً للسؤال حول دستورية المادة التي تخول للحكومة اعتبار وسيلة نقل في كل البلاد ممنوعة فقط في ولايات بعينها لأن استخدامها في تلك الولايات للجريمة أو النهب، بينما في ولايات أخرى لتواصل الأرحام ونشر الفضيلة وقضاء حوائج الإنسان.
وإذا كانت السلطات قد بلغ بها الضيق والغضب إحراق المواتر بالنار والتشهير بذلك إمعاناً في محاولة تخويف المواطنين وبث الرعب فيهم فإن الخطوة تعبر في مسار آخر عن قصور في المعالجة وإهدار للمال العام؟ فالمواتر يمكن إعادة تصديرها خارج الحدود.. وقد يستفيد منها مواطنون آخرون في ولايات تستخدم فيها المواتر لأغراض مدنية وليست عسكرية.. ومن غرائب قرارات الحكومة أنها لم تحظر (الموتر) التكتك بثلاث إطارات، لأنه لم يصبح بعد أداة تستخدم في جرائم النهب والقتل وتهديد وجود السلطة.. ولكنه قد يصبح غداً من أدوات ارتكاب الجرائم، فهل كل بصائر السلطة لا ترى أبعد من حظر أدوات الجريمة التي من بينها الهاتف السيار.. والقلم والصحيفة واللوري والأتوس والكلك، فهل نشاهد يوماً ولاية تحرق الأتوس وأخرى تحرق النياق والحمير والكلاب لأنها أدوات استخدمت في الجرائم.. وقد يحرق أحد الولاة إنساناً بلحمه ودمه لأنه أصبح أداة جريمة.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية