(11) عاماً على (11) سبتمبر : أمريكا والأرهاب.. حربٌ بلا نهاية
الخرطوم – جمال ادريس
قبل يوم واحد من إحياء الأمريكيين للذكرى الحادية عشرة لأحداث (11 سبتمبر) التي راح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف مواطن أمريكي؛ زفّت القوات الأمريكية خبراً سعيداً بالنسبة لهم، وهي تعلن أمس مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، السعودي (سعيد الشهري)، الذي قُتل بمدينة حضرموت باليمن بعد غارات جوية مكثّفة قامت بها طائرات أمريكية بدون طيّار، استمرت لأكثر من أسبوع.
ويسترجع العالم كله، وأمريكا على وجه الخصوص، هذا اليوم، تفاصيل أحداث (11/9) الشهيرة، وما أن يُذكر هذا التاريخ الأشهر في العالم، في أي بقعة من بقاع الكون؛ إلا وتتبادر إلى الذهن على الفور تفاصيل (أحداث 11 سبتمبر)، مع صورة البرجين الشهيرة، ولحظة ارتطام الطائرات بها، في مشهد أقرب لمشاهد الآكشن السينمائية، منه للواقع.
ففي مثل هذا اليوم قبل أحد عشر عاماً، استيقظ الأمريكيون على وقع زلزال عنيف هزّ العالم بأثره، وليس مدينة نيويورك وحدها، حيث شهدت مدينتهم في ذلك الصباح من شهر سبتمبر في العام2001 حدثاً مروّعاً، عندما ارتطمت ثلاث طائرات نقل مدني ببرجي مركز التجارة العالمية بمنهاتن، ومقر وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون). مما أسفر عن سقوط أكثر من ثلاثة آلاف ضحية، غير العدد الكبير من المفقودين والجرحى، وهو الحادث الشهير، الذي ترفض تفاصيله أن تبارح ذاكرة الكثيرين في كل أنحاء العالم.
الولايات المتحدة التي تلقت ضربة موجعة في عقر دارها، سارعت على الفور بتوجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة؛ عدوها اللدود داخل أمريكا وخارجها. وكشفت عن منفذي الهجوم الذي وصفته بالإرهابي، وقالت إن 19 فرداً على صلة بالتنظيم، اختطفوا أربع طائرات نقل مدني تجارية، ثم قاموا بتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة، نجحت ثلاث منها في ضرب أهدافها. بينما تحطمت الطائرة الرابعة قبل وصولها للهدف.
وقد أحدثت (أحداث سبتمبر) تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية، فأعلنت الحرب على الإرهاب، وتضررت معظم البلدان الإسلامية جراء إلصاق تهمة الإرهاب بكل ما هو إسلامي، وبدأت الحرب على الإرهاب بتوجيه ضربات إلى أفغانستان، نجحت في إسقاط (نظام طالبان)، ثم التوجّه نحو العراق، وإسقاط نظام الحكم هناك أيضاً. واستمرت سياستها في رفع تهمة الإرهاب في وجه معظم البلدان الإسلامية التي تعتبرها خطراً على أمنها.
وبعد (أحداث سبتمبر) أصبحت سياسة أمريكا وعلاقتها الخارجية بالعالم، تستند على تصنيفها للدول باعتبار رعايتها للإرهاب، وفق نظرتها له.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة نجحت في قطع من تصفه بـ(رأس الحية)، زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” في الثاني من مايو من العام الماضي، عندما هاجمته قواتها الخاصة مخبئه بـ(ابوت اباد)؛ إلا أن أمريكا لا تزال تستخدم فزّاعة (الإرهاب)، وتخوض في سبيلها حرباً لا تنتهي. ولم يكن السودان بطبيعة الحال بعيداً عن التأثير والتأثر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورغم أن العلاقة بين الطرفين لم تكن في أسوأ حالاتها، بعد التعاون الأمني الكبير الذي أبدته حكومة الخرطوم، إلا أن فوبيا الخوف من الإرهاب من جانب أمريكا، لم يستثن السودان، من إلصاق اسمه بقائمة الدول الراعية للإرهاب. ولا زالت حتى هذه اللحظة تفرض عليه حظراً اقتصادياً كاملاً.
ويرى المحلل السياسي د. “صفوت فانوس” بأن السودان لم يكن طرفاً في أحداث سبتمبر، ولم تكن له أيضاً علاقة بتنظيم القاعدة وقيادتها. لذا فهو لا يرى أي انعكاس مباشر للأحداث على السودان، بعد مرور أكثر من عشرة أعوام عليها، لكن “فانوس” يعود ويقول إن الأثر غير المباشر لأحداث سبتمبر هو أن الإسلام والمسلمين باتوا مستهدفين من قبل أمريكا والغرب، وأصبحت كل التنظيمات الإسلامية محل شك لدى العالم الغربي، وبما أن السودان ونظامه السياسي يتبنى النهج الديني، فإنه يكون غير مرحب به أيضاً لدى أمريكا. ويضيف “فانوس” أن دول الخليج ومصر وغيرها يمكن أن تتأثر بشكل مباشر بالأحداث بعكس السودان؛ لأن تمويل تنظيم القاعدة، المتهم الرئيس في الأحداث، يأتي من بعض تلك الدول.
وتأتي الذكرى الحادية عشرة لأحداث سبتمبر هذه المرة وسط تغيرات كبيرة شهدتها الساحة السياسية في العالم الإسلامي، كان من أبرز علاماتها الصعود اللافت للتيارات الإسلامية إلى سدة الحكم في عدد من البلدان العربية، ما يعني أن أمريكا ستكون مضطرة لتغيير استراتيجيتها في التعامل مع الإسلام السياسي، الذي سيزداد نفوذه وقوته بعد تقويه بالسلطة. ويسود اعتقاد واسع وسط المراقبين بأن أمريكا ليس أمامها إلا استخدام (سياسة اللين)، لكسب ود تلك الحركات، على نحو ما بدا في تجريبها ذلك بالفعل مع نظام الأخوان الذي وصل إلى الحكم حديثاً في مصر، واستمالة الرئيس “مرسي” بالإغراء تارة عبر المزيد من المنح والقروض، وتارة بعرض تحسين العلاقات والتطبيع الكامل مع الإسلاميين.
ويجزم الأمريكان بأن تنظيم القاعدة بدأ بالفعل في الانهيار بعد مقتل زعيمه، وأنه يسير بصورة متسارعة نحو نهايته، وذكر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، أن الهجمات الإرهابية انخفضت العام الماضي إلى أدنى مستوى لهما منذ العام2005. ووصفت عام 2011 عام بأنه (عام تاريخي)، ولم يشهد أي هجمات إرهابية. وذكر التقرير كذلك بأن من بين الأعضاء الآخرين في تنظيم القاعدة الذين قتلوا العام الماضي “عطية عبد الرحمن”، الذي قيل إنه الشخصية الثانية في التنظيم بعد مقتل “بن لادن”، و”أنور العولقي” الذي كان يقود عمليات التنظيم في جزيرة العرب المتمركز في اليمن. موضحاً بأن خسارة “بن لادن” والأعضاء الكبار الآخرين يضع التنظيم في مسار انحدار سيكون من الصعب التراجع عنه. لكنه عاد ليقول إن (تنظيم القاعدة قادر على التكيف ويمثل تهديداً مستمراً وخطيراً).
ويرى خبير سياسي أن النظام الحاكم في السودان كان محظوظاً، إذ وقعت أحداث سبتمبر في وقت كانت تجرى فيه اتصالات بين الإدارة الأمريكية وحكومة الخرطوم، تتعلق بالنواحي الأمنية ومكافحة الإرهاب، ما أسفر عن إبعاد السودان عن أي ضربة استباقية، ويضيف الخبير بأن التعامل مع السودان كان مختلفاً عن الدول الأخرى المتمردة على سياسة أمريكا في المنطقة. وبالرغم من أن أمريكا أبقت على العقوبات على السودان، إلا أنه لم يكن هناك أي رد عنيف ضده، من قبل أمريكا. الشيء الثاني هو وجود صفقة تتعلق بمكافحة الإرهاب، قيل إنها عقدت بين الاستخبارات السودانية والسي آي إيه. ويضيف أمراً آخر وهو تعيين أمريكا للسيناتور “دانفورث” مبعوثاً للسودان، قبيل ضربة 11 سبتمبر بأيام، حيث بدأت إدارة الرئيس “بوش” تغير سياستها تجاه السودان إلى استخدام القوة الناعمة. وقبولها للمشروع الذي تقدم به مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطون، وهو المشروع المتعلق بتقديم ورقة تتحدث عن (دولة بنظامين). وهي الورقة التي شكلت أساس اتفاقية نيفاشا. ويضيف بأن أمريكا ورغم استخدامها الوسائل الناعمة ضد السودان، إلا أنها مارست العقوبات الاقتصادية عليه، وتلكأت في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ورغم وعودها برفع اسم السودان بعد انفاذ نيفاشا، إلا أنها لا زالت تمارس مزيداً من الضغوط حتى الآن.
الحقيقة التي لا جدال حولها الآن، هي أن معظم دول العالم لم إن لم تكن كلها قد تاثرت بشكل أو بآخر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم مرور أكثر من عقد عليها، ما يدل على أنها كانت عبئاً كبيراً على الكثيرين، ممن لم تكن لهم صلة بالقاعدة أو بأمريكا من قريب أو بعيد. ولكنهم ظلوا يدفعون فاتورتها حتى الآن.