المفاوضون بأديس يضعون المسؤولية على عاتقيهما: "البشير" و"سلفا" .. قمة منتظرة بملفات شائكة..!
{ تزاحمت الأحداث وزادت وتيرتها منذ اغتيال “بلندية” وتحطم طائرة تلودي في صبيحة عيد الفطر ورحيل واحد من أهم أركان السلام “مكي بلايل”.. ثم أحداث كتم بإعلان الطوارئ.. ثم انعقاد مؤتمر صحفي للحركة الإسلامية أثيرت فيه العديد من القضايا.. ثم ظهور كتاب جديد بلندن مؤلفه صهر “غازي صلاح الدين” وقريب من “صلاح قوش”، مما يؤكد أن وراء الكتاب مناخاً يضيف قدراً من الضوء لفهم الصورة المتلبدة إذا عقدت الحركة الإسلامية مؤتمرها العام في نوفمبر.. حتى أزمة “كاشا” و”كرم الله” و”المتعافي” وفشل زراعة القطن المحور وراثياً واجتماع الحركة الإسلامية ببورتسودان تحت (كوبري).. كلها تحسب ضمن الصورة العامة التي ترمي إلى صياغة آخر المحاولات لنقل (الإنقاذ) من الشمولية والجمهورية الثانية لمربع (جمهورية السودان الديمقراطية) وإدخال (الشعبي) و(الشيوعي) بعد (الأمة) و(الاتحادي) في حلبة الصراع السياسي السلمي..
وبالمقابل ثمة تداعيات تشير لتغيير في الذهن السياسي للحركة الشعبية الحاكمة أرض الجنوب.. وبخصوص “عرمان” و”عقار” و”الحلو”.. ثلاثة رجال يشكلون العقبة الكوؤد للتوصل مع الجنوب لحزمة من الاتفاقات.. فهل تستطيع القمة الرئاسية فعل أي تحول؟
{ ورمي “قطبي المهدي” حجراً إضافياً لإثارة الساحة في منابعها الحساسة ولم يتراجع – في حواره مع (المجهر) – عما قاله لصحيفة الشرق الأوسط، وردد كعادته (تراجع) روح التضحية والفداء والإخلاص والتفاني القديمة مما أدى لضعف وتنافس وصراعات، ويتابع: (ما طرحناه نحن بصورة راديكالية وجذرية لم يحدث)..
{ حجارة أخرى كثيرة تبرع بها المتفلتون والغاضبون من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني جراء ما وصفوه بالفساد والغلاء والحروب المستمرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وأشار قطبي لما يمكن رسمه قبالة التطلع لدهاليز المؤتمر العام للوطني وما يُنتظر من تغيير في كابينة القيادة.. وهو بالطبع شيء لافت سيؤثر في مسيرة الإنقاذ، وقال عن الرئيس: (تحمَّل ما لم يتحمله أي رئيس في الدنيا.. دفع كثيراً من حياته وصحته وانتهى به الأمر لمواجهة المحكمة الجنائية).
{ كلام قطبي يقودنا لموضوع التقرير: كيف هي أحوال الرئيس “البشير” والرئيس “سلفاكير” بعد إعلان المفاوضين انسداد أنبوب التنفس لتمرير الهواء الممكن لإحياء خارطة الوسيط الأفريقي “أمبيكي”، الخاصة بالحدود، سيما الميل (14) بعد أن ساهم وفد الخرطوم بتنازل يُفهم منه اشتراط الموافقة على إبقاء الميل (14) ضمن خريطة الاتحاد الأفريقي بسحب الجيش الشعبي منها وإتباع إدارتها للسودان.. وسارع وفد جنوب السودان برفض المقترح ووصفه بالتعجيزي، وربما من كلمات سفير الجنوب بالخرطوم يُفهم لياقة الرئيس “سلفاكير” بعد أن رمى مفاوضوه الكرة في ملعبه مناصفة مع الرئيس “البشير” لإحداث اختراق يجعل المستحيل ممكناً، حسب ما فسر الجانبان أن سدرة المنتهى والصلاحيات منعت القلم الأخضر أن يوقع الاتفاق النهائي بالوكالة.
{ وفي السياق قال السفير “ميان دوت” للزميلة (السوداني): (إذا فشل الاتفاق في بقية الملفات بالنسبة لنا، يمكن أن يمشي هذا الاتفاق – أي النفط)، وأضاف: (نحن نشجع الاتفاق، والمجتمع الدولي يتخوف من انهيار الاقتصاد في الدولتين).
ومن المؤكد أن لغة السفير تعكس لياقة “سلفاكير” من جوبا، وقد وصف مهمته بالصعبة بدل المستحيلة.. ومن “قطبي” إلى “مادوت” إلى “أمبيكي” تتضح ملامح القرار السياسي المرتقب من خلال قمة (الإنقاذ) المرتقبة بين “البشير” و”سلفاكير”.
{ عصاة الأمم المتحدة فوق الرؤوس، و”دانيال كودي” عضو الوفد الحكومي المفاوض، يشير إلى معلومات بوصول “عقار” و”عرمان” إلى أديس أبابا، و”كمال عبيد” يؤكد للوساطة الأفريقية عدم إمكانية جلوسهم كوفد مفاوض مع قطاع الشمال لأنه يفاوض إنابة عن الجيش الشعبي، واشترطت الحكومة أن يغير قطاع الشمال اسمه لتوفيق أوضاعه السياسية بالسودان، ولم تترك للشروط مساحة ومجالاً حتى أردفت شرطاً آخر على أنها لن تفاوض قطاع الشمال بغرض التوصل لاتفاقية جديدة وإنما لاستكمال برتوكول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الموقعة في اتفاقية السلام الشامل.
{ ومعلوم أن من يحدد سقف التفاوض لكلا الوفدين اللذين وصلا لمنطقة مقفولة هما الرئيسان “البشير” و”سلفاكير”، ومعروف أيضاً التواصل دقيقة بدقيقة بين رؤساء الوفدين معهما للاضطلاع بآخر التطورات، ويكاد إثبات أن “البشير” و”سلفاكير” يتفاهمان من خلال عملية التفاوض نفسها هي المنطق الفائز، والسؤال: ماذا ترك للوفدين أن يفعلاه سوى قرارات سياسية شجاعة؟ فإذا الرئيسان يلعبان دور المدربين وقد أرهقا الفريقين في البدائل والمراسلات وكل التفاهمات ولا بد من إعلان القيادتين بالنهاية التي تحتاج لقرارات سياسية كبرى وليس لتفاوض وتنازل بعد أن مشى كل طرف خطواته للتوصل لاتفاق من دون الاحتياج لقمة حاسمة للرئيسين في الخرطوم وجوبا.
{ الدكتور الطيب زين العابدين يقول: (إن الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة بقبول التفاوض على أن منطقة الميل 14 منطقة متنازع عليها هي سبب كل المشكلات).. وجاء في أخبار الأمس الدليل القاطع بأنها منطقة محتلة والجملة الواردة (بسحب الجيش الشعبي منها واتباع إدارتها للسودان).
{ كل ألوان الطيف حاضرة حول توقع نتائج القمة المرتقبة بين “البشير” و”سلفاكير”، وقبيل القمة استقبل “البشير” سفير دولة الجنوب واعتمد أوراقه سفيراً لجوبا بالخرطوم بعد مكوكيات دبلوماسية.. ويحتاج كلا الرئيسين للاتفاق، فالحكومة في الشمال عبرت الخطر بعد إعلان الإصلاح الاقتصادي وبرامج التقشف.. ويبقى الكثير لإصلاح الاقتصاد الحقيقي المبني على هدي نجاح سياسي ينهي الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وربما إذا نجحت قمة البشير – سلفاكير تفتح الحدود بعد السماح لفتح رحلات الطيران المدني ليكون الشمال أكبر الداعمين لدولة جنوب السودان بتصدير الخبرات والخيرات.. وعلى ذلك يعقد المؤتمر الوطني مؤتمره العام وتنجز الحركة الإسلامية أعمالها وينخفض الدولار ووتيرة التفلتات ويقوي المؤتمر الوطني بروحه القديمة في الإخلاص والتفاني كما ذكر قطبي.
{ إرهاق جوبا لا يحتاج لمحللين في الاقتصاد.. فما زالت الأمم المتحدة تحذر من وقت لآخر من المجاعات والصراعات.. وإذا كان النفط للجنوب هو ثمن الخبز وكراسة المدرسة والمواصلات.. فكيف تواصل جوبا غرورها وجسارتها؟ والإجابة قالها سفير الجنوب بالخرطوم: (نحن نشجع الاتفاق والمجتمع الدولي يخاف من انهيار الاقتصاد في الدولتين).. والسفير – أي سفير – ينقل كلام رئيسه نقطة نقطة، وبهذا المنطق فالسيد “سلفاكير” محتاج لاتفاق السلام بمقدار ما يحتاجه أي كائن حي للتنفس.