أمريكا لا تدفع ولا تستثمر.. متى تفهمون ؟!
بدلاً من أن يحدثنا السيد وزير المالية الفريق أول “الركابي”، عن تفاصيل زيارته للولايات المتحدة ولقائه بمساعد وزير الخزانة الأمريكي، فليتفرغ لمجابهة تحديات ما بعد رفع العقوبات الأمريكية، حيث ما زالت (مافيا الدولار) هي المسيطرة على المشهد الاقتصادي وليس وزارة المالية والبنك المركزي!!
بالمناسبة لماذا يفرح وزراؤنا لملاقاتهم (مساعد وزير)؟.. حتى لو كان أمريكياً !!
ما المانع من مقابلة الوزير نفسه؟.. أو لا داع.. فليقابل المساعد أحد مساعدي وزيرنا.
إنه ضعف وهوان من سفارتنا هناك وفي أي بلد تتم فيه مثل هذه المقابلات متدنية المستوى.. ولنضرب مثلا بدول عربية من حولنا.. الشيخ “محمد بن زايد” نائب ولي عهد أبوظبي، قابل الرئيس الفرنسي والرئيس الأمريكي عديد المرات.. ولا يقبل أن يقابل نائب رئيس أو مساعده أو حتى رئيس وزراء.
في السودان.. سافر الرئيس الراحل “جعفر نميري” إلى ليبيا في عقد سبعينيات القرن الماضي.. وعندما وصل مطار “طرابلس” كان في استقباله تحت سلم الطائرة نائب رئيس مجلس ثورة الفاتح من سبتمبر العقيد “أبوبكر يونس جابر”، فرفض الرئيس “نميري” أن ينزل من الطائرة حتى يأتي العقيد “القذافي” لاستقباله، أو يعود للخرطوم، فاضطر “القذافي” للحضور على جناح السرعة !
وإذا تواضع مستوى استقبالات قادة دولتنا، فإنه بالتأكيد تتواضع مطالبنا وتنخفض سقوف مواقفنا التفاوضية، سواء أن تعلق الأمر بالمال.. أو بالسياسة.. أو بالمخابرات.
المهم الآن بالنسبة لشعب السودان الذي طال صبره، وظل منتظراً لموعد رفع العقوبات الأمريكية عشرين عاماً مريرة، أن يرى ما يسره من حكومته، بل إن يحس واقعاً معاشاً أثر ذلك القرار، لا أن يحجيه وزير المالية سيادة الفريق عن لقائه بمساعد وزير الخزانة الأمريكي، ولا أن يبشره وزير الدولة للنفط بزيارة وفد شركات بترول أمريكية، فقد كانت بيننا يا معالي الوزير شركة “شيفرون” منذ أن كنا يفعاً في رياض الأطفال، فهل سمعت أو قرأت في أرشيف وزارة الطاقة والتعدين أن الشركات الأمريكية استخرجت يوماً (جالوناً) واحداً من جنوب أو شمال السودان؟!
أمريكا – يا سادتي الوزراء – لن تستخرج برميل نفط من السودان ولا هي خطتها، يجب أن تفهموا ذلك، وتتركوا هذه الأوهام حتى لا تضيعوا على شعبنا عشرين عاماً أخرى في الخيال والخراب .
رفع العقوبات قيمته الأهم ليس في قدوم الاستثمارات الأمريكية، ولا في ما يمكن أن تسفر عنه زيارة وفد المجلس الأمريكي الذي وقعت عقد رعايتها مجموعة (سوداتل) في “واشنطن” قبل يومين..
كل هذا.. إن لم يكن هراء.. فإنه مجرد (بروباغندا) !
قيمة القرار الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية والتجارية الأهم هي في انفتاح الشركات والمؤسسات (الأوربية) و(الآسيوية) و(الخليجية) التي كانت تخشى (العصا) الأمريكية..
أمريكا لا تدفع يا معالي الوزراء.. ولا تستثمر خارج أراضيها.. أمريكا مثل (الحكم).. تأمر.. وتعاقب بالبطاقتين الصفراء والحمراء وتنهي المباراة.. لكنها لا تسجل أهدافاً إنابة عن الفريقين !!
يجب أن تستوعبوا سريعاً.. فقد ضاق شعبنا بكم ذرعاً.