قطبي مالك علينا؟!
* إذا خرج أحدهم من السلطة غاضباً أو مغضوباً عليه جعل من نفسه داعية إصلاح وتجديد، وزعم لنفسه بطولات من محض الخيال أو لأغراض التجميل.. يسعى البعض لغسل أيديهم على رؤوس الآخرين بلا رفق، وهم لا يحسنون الغُسل.. والشعب السوداني ليس وحده من عاش غيبوبة السياسي المبعد من موقعه حتى “انتوني ايدن” أشهر رئيس وزراء في بريطانيا حينما غادر (تين دوان استريت)، وعاد لاستخدام القطار بين ليفربول وليدز كتب عن بريطانيا التي أهدرت فرص ضرب السوفيت في كييف وأوكرانيا، ولكنها فتحت أذنيها لأكاذيب أمريكا، وإنه كان يعلم أكثر من جهاز مخابراته.. وفي مصر حينما تم إقصاء مدير المخابرات العامة “صلاح نصر”، وأصبح مطروداً من الحكم فضحت الممثلة “اعتماد خورشيد” نفسها وأسرتها، وتجردت من ثيابها؛ لتسير عارية في الشارع من المهندسين حتى ميدان التحرير، وتكتب بقلمها (اعترافات اعتماد خورشيد شاهد على انحراف صلاح نصر).
* وبعد خروج د. “عبد الوهاب الأفندي” من منصبه الوثير في النصف الأول من التسعينيات جعل من نفسه (داعية) إصلاح سياسي ومنقذ سفينة على حافة الغرق، وكذلك مضى آخرون في دروب براءة النفس وإدانة التاريخ الجماعي، ويصبح عند هؤلاء النهر قد جفت مياهه والخريف صمتت سحائبه عن الهطول.. ولكن في ظلام الاعترافات الخاطئة ثمة مواقف لرجال لم يبدلوا تبيدلاً..
اللواء “الهادي بشرى” مثال لسياسي لم (يبصق) في التجمع الوطني الديمقراطي و”عبد الباسط سبدرات” قالها بذكاء دنقلاوي لن أبيع ملابسي حتى أذهب لـ”أحمد شرفي”، ولكن د. “قطبي المهدي” مدير المخابرات والوزير والمستشار القريب من الرئيس والبعيد عن الشعب لسنوات تطاولت حتى بلغت الـ(23) عاماً.. لم يطق شهور الفطام الأخيرة منذ (تقليص) هياكل السلطة في القصر وخروجه مع ثلة من الأخيار ليجلسوا في الشارع العام يترجل احدهم من سيارته ويشتري السكر واللحوم والتمباك والتبغ والفول كحال د. “حسن مكي” و”عبد العزيز بركة ساكن” و”برهان تيه”..
* لم يطق د. “قطبي المهدي” الحياة الطبيعية ليخلع عن نفسه ثوب منبر السلام وثوب القيادي النافذ والقيادي البارز والقيادي التاريخي وإلى آخر صفات الاصطفاء وتزكية النفس.. و(يدعو) جهراً للإصلاح السياسي، ويصدر حكماً بإزاحة كل القيادات التي تقف إلى جوار الرئيس طبعاً من تحته وإلى يمينه ويساره كشرط وجوب لأي (عملية) إصلاح ينبغي أن تطال الدولة والحزب في مقبل الأيام، ويختزل د. “قطبي المهدي” التجديد والإصلاح في الشخوص والأفراد بقدح الذهن، و(افتراع) برامج وأطروحة ثقافية وفكرية وسياسية من شأنها سد (الثغرات) والفجوات التي كشفتها تجربة السنوات الماضية، وأدت لحرب دارفور والشرق، وحتى أطروحة (التهميش) مع ضعفها وهزالها أرعبت د. “قطبي” وجعلته يتحسس بندقيته ولا يمسك بقلمه ويناهضها بمنطق آخر لم يكن “قطبي” عاجزاً عنه..
* الآن د.” قطبي” داعية إصلاح وتجديد، وبالأمس مبشراً ومنفراً يغمض عينه عن الشارع، و(يُخون) “بلايل” و”بناني”، ويقدح في صدقية أي دعوة إصلاحية، وحينما تتبدل المقاعد وتذهب السيارة العامة ولا تتنزل عليه تذاكر السفر من الخزانة العامة يصبح “قطبي” داعية إصلاح اجتماعي وسياسي متحدثاً باسم الشعب رؤوفاً رحيماً، فسبحان (مقلب) القلوب من الشدة إلى الرحمة.. كان قوياً علينا فأصبح اليوم قوياً بنا!