رأي

بعد ومسافة

       دُرر .. وليالٍ .. وذكرى ..
مصطفى أبوالعزائم
  وأما الدُرر فهي الأفكار النيّرة، والأفعال الخيّرة ، وهي أمرٌ عشناه مجموعة من الأصدقاء والزملاء منذ يوم (الجمعة) قبل الماضي، من خلال رسالة قصيرة ومؤثرة مرفقٌ معها صورة أشد تأثيراً، بعث بها الأستاذ “الشعراني الحاج”، وهو شابٌ من الشباب الخيّر النيّر الذين يسعون بالخير بين الناس، وكانت الصورة توحي للناظر إليها أول مرة كأنما هي لجماعةٍ يتفكرون حول أمر جلل داخل ” راكوبة ” متهالكة سقفها من الخيش وقوائمها من ” الحطب” الجاف، وبدا من الملمح العام للصورة أن كل الجالسين هم من أشقائنا أبناء دولة جنوب السودان، لكن المفاجأة كانت في شرح الصورة التي بعث بها إلينا الأستاذ “الشعراني الحاج” في مجموعة من مجموعات تطبيق الواتساب، وكتب تحتها شارحاً إنها لمسجدٍ شرق جبل الأولياء جهة معسكرات النزوح التي تضم عدداً من أبناء دولة جنوب السودان، مشيراً إلى أنه اكتشف المسجد” الراكوبة ” صدفة عندما كان في زيارة لأحد أصدقائه هناك، عندما نودي لصلاة (الجمعة)، فسأل عن المسجد، فاقتاده مضيفه إلى تلك الراكوبة التي لا يتمكن جزء من مساندة الجزء الآخر منها، فأدى الصلاة هناك وقد خنقته العبرات، وتأثر بما رأى فأرسل تلك الصور مع الشرح للمجموعة التي تضمه مع آخرين.
      ردة الفعل كانت سريعة وإيجابية، تأثر أعضاء المجموعة، ودعا الداعون إلى ضرورة مساندة المسلمين من الأشقاء الجنوبيين، البعض اقترح تقديم المال وبعضهم اقترح بناء المسجد بالمواد الثابتة والبعض اقترح أن يتم إنشاء خلوة ملحقة بالمسجد المقترح لتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم، ومقترحات عملية كثيرة، وتم الإنفاق على أن يؤدي من يستطيع (الجمعة) القادمة – الأول من أمس – في ذات المسجد قربى لله جل وعلا وتقرباً إليه بالطاعات ومساندة لأشقائنا من دولة جنوب السودان الذين شرّدتهم الحروب وطاردتهم أشباحها الكريهة، في مناطق النزوح واللجوء لكنهم حافظوا على عقيدتهم مؤمنين بالله الواحد الأحد رغم الإغراءات والضغوط التي يواجهونها من بعض الجهات والأشخاص.
     كان هناك بعض الشباب العمليين، بادروا فوراً بجمع التبرعات، وبعضهم عمل على توفير مواد البناء من رملٍ و طوب وأسمنت  (بلُك) وأطنان قليلة من الأسمنت وقليل من السيخ الذي يستخدم في الأساس والقواعد، إلى جانب (تناكر) مياه لاستخدامها في البناء.
    تداعى عدد من أعضاء تلك المجموعة للصلاة هناك، وانطلق بعضهم بسياراتهم وآخرين بالمواصلات العامة إلى معسكر اللاجئين شرق جبل أولياء، جاءوا من أقاصي الولاية (الخرطوم)، من شمالها القصي ومن شرقها وغربها، والتقوا عند الموقع في الموعد المحدد قبيل أن تبدأ خطبة (الجمعة)، ووقف شاب نحيل أمام المصلين، حيث لا درَجٌ يعتليه ولا منبرٌ يصعُد إليه، وألقى خطبة عن التوحيد، شرحاً وافياً بلغة بسيطة لسورة            (الإخلاص)، مشدداً على أهمية التمسك بالتوحيد وإعلاء كلمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ثم دعا في الخطبة الثانية لمن أدى الصلاة في المسجد، وأدمعتْ أعين المصلين والإمام الشاب الأستاذ “آدم” يقول: إن الله سبحانه وتعالى هو الذي قيض للمسجد أن يبدأ بناؤه بالفعل، وسخَّر له مَنْ سخَّر مِن خلقه حتى تبقى كلمة الله هي العليا.
    قد لا يصدقُ أحدٌ أنَّ البناء قد بدا بالفعل، وأن ما توفّر من مالٍ خلال أيام قليلة اقترب من الخمسين ألف جنيه، غير ما توفر الآن من مواد بناء شرع عمال البناء في استخدامها وارتفع أساس المسجد ليكون المعْلَم الأسمنتي الوحيد هناك في تلك المنطقة، وربما لا تمر أسابيع قليلة حتى يرتفع البناء ويكتمل – نسال الله ذلك- وأن حدث ذلك وهو سيحدث بإذن الله تعالى، فإن أهل المنطقة سيكونون في انتظار من ينير ليلهم ويضئ أمسياتهم ليس عن طريق تيار الكهرباء العامة، بل عن طريق توفير الطاقة الشمسية.
                                                                 ليالٍ وذكرى
                                                          ~~~~~~~~~~~~~
   وأما الليالي فهي ليالٍ من ليالي ألف ليلة وليلة، وقد أطلقتها شركة زين من خلال الندوات المفتوحة والمغلقة واللقاءات المقترنة بإعلان جوائز الأديب العالمي الراحل الأستاذ “الطيب صالح” – رحمه الله – أضاءت سماء الخرطوم بنجوم أزهار تقدمها المفكر السياسي والطبيب الباحث وأحد رموز وأيقونات الثورات الشعبية الحديثة الأستاذ الدكتور “محمد المنصف المرزوقي” الرئيس التونسي السابق، ثم بالنجوم الشباب الذين حصلوا على الجوائز وتفوقوا من مصر الشقيقة والمغرب والعراق وسوريا وغيرها، لتكون ليلة الختام من أبهى الليالي وأبهجها من داخل القاعة الرئاسية في قاعة الصداقة بالخرطوم، والتي زادها ألقاً مشاركة الدولة رسمياً فيها من خلال الرعاية والمشاركة في الختام من خلال وجود السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية سعادة الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، والشكر لكل من أسهم في إنعاش الليالي بذكرى الأديب الكبير الراحل الأستاذ “الطيب صالح” و سودانياً يحصد  ثمرة الدورة السابعة لجائزة “الطيب صالح” في الإبداع الكتابي. شكراً زين شكراً الفريق طيار “الفاتح عروة”، شكراً بروفيسور “علي شمو”، شكراً للسفير الدكتور “خالد فتح الرحمن”، شكرًا للأستاذ “صالح محمد علي”، ولكل من أسهم في إنجاح هذه الليالي والشكر موصول للجمهور الكريم، ونأمل أن يكون شكرنا للطيب صالح دعاءً حاراً لله تعالى أن يتقبله القبول الحسن، وأن يدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
                                                             وذكرى رحيل
                                                 ~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    هي الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل الشاعر الكبير “إسماعيل حسن” ( سماعين ود حد الزين)، والتي مرت علينا في السابع عشر من هذا الشهر، إذ توفي بـ(الأربعاء) 17 فبراير 1982م، وتلقيت نبأ وفاته بالقاهرة التي كُنتُ مبتعثاً إليها للتدريب في صحيفة “الأخبار”، وفي مؤسسة “روز اليوسف” الصحفية، وكنت مدعواً يومذاك على العشاء مع الشاعر المصري الكبير الراحل “عبد الرحمن الأبنودي” في شقته بشارع القصر العيني التي كان يقيم فيها وزوجته الأولى السيدة “عطيات الأبنودي”، وكانت ترافقني زوجتي وهي عروس جديدة آنذاك، كما كنا على موعد مع الصديق والزميل الأستاذ “كمال الشريف” – الدكتور لاحقاً- واذكر كم تأثر “الأبنودي” لوفاة “إسماعيل حسن”، وقد كنا نتحدث عنه قبل ذلك بأيام قليلة، حتى أنني شعرت بالندم على إبلاغه ذلك النبأ الحزين، لكنه هوّن عليَّ بالقول: إن هذا هو حال الدنيا، إما أن تذهب بمن تحب، وإما أن تقتلعك من بينهم، وكل منكم في أشد الحاجة للآخر … رحم الله الجميع ورحمنا وكل المسلمين في الدنيا والآخرة. 


   
   

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية