جدل الحصار
عاد الفريق “طه عثمان”، لواجهة الأحداث مرة أخرى مع قرار رفع العقوبات الأمريكية المفروضة من قبل الإدارة التنفيذية في انتظار جهود أخرى لرفع العقوبات المفروضة بقوانين من قبل الكونغرس الأمريكي.. وعودة “طه” هذه المرة تشابه الأيام الأخيرة قبل خروجه من السُلطة في السودان حيث أطل الفريق “طه” حينذاك إلى الصحافة المحلية، وتحدث عن الرفع الجزئي للعقوبات ونسب الفضل في رفع العقوبات لثلاث جهات، دولة الإمارات أولاً والمملكة العربية السعودية ثانياً، ثم إلى شخصه كمبعوث من قبل الرئيس “البشير” لمهام خارجية عديدة.. ولم يمضِ على حديث “طه” حينذاك إلا بضعة أيام وخرج الرجل من السُلطة في السودان تلاحقه الاتهامات.. وانقلب عليه أصدقاؤه قبل أعدائه وانهالت عليه السياط والكرابيج.. ولاحقته الاتهامات وقصص وروايات عن فساده وإفساده.. ولكن الرئيس صمت.. ولم يقل كلمة واحدة بحق “طه عثمان” حتى ماتت القضية التي أثيرت.. وانطوت صفحته.. ولكن الرجل عاد للظهور مرة أخرى في الساحة السودانية بتسريب خبر عن ترشيحه لرئاسة نادي المريخ الذي يعيش محنة الفراغ الرئاسي العريض بعد انقضاء حقبة “جمال الوالي” وفشل وصول “آدم سوداكال” للرئاسة.. وما لبث “طه” أن فجر حدثاً اجتماعياً بزواجه من أسرة “الميرغني” وشقيقة الوزير “إبراهيم الميرغني” ليتنقل العرس والفرح ما بين الخرطوم والرياض حيث أصبح “طه” مسؤولاً كبيراً في الديوان الأميري كمستشار لوزير الخارجية السعودي.. في حديثه الصحافي أمس لصحيفة (الصيحة) نسب أيضاً الفضل في رفع الحصار الأمريكي إلى دولتين السعودية أولاً هذه المرة ثم الإمارات العربية المتحدة.. وأعطى نفسه صفة أقرب الناس إلى الرئيس حتى تلقي الرئيس لخبر رفع العقوبات الأمريكية تسرب من هاتف “طه” إلى هاتف الرئيس “البشير” بعد دقائق معدودة من صدور القرار، ليجزم “طه” بأنه أول من أبلغ “البشير” بالقرار، ولم ينسَ توجيه نقد علني لوزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور”، الذي هو الآخر ينسب فضل رفع الحصار لنفسه وجهده الشخصي، وكل من “طه” و”غندور” يسقطون دور مؤسسات الدولة التي تعمل في الضوء وتلك التي تنشط ما وراء الحيطان الصماء ومبادرات أصدقاء آخرين، وما قامت به شخصيات وطنية غير مرتبطة بوظائف حكومية.. وجهود للبرلمان ورئيسه البروفيسور “إبراهيم أحمد”.. واستجابة الرئيس لنصائح الحادبين المشفقين وتراجعه عن قرار وقف التفاوض.. ودور الأجهزة الأمنية والعسكرية والحوار مع المخابرات الأمريكية الذي أطلع به قادة جهاز الأمن ووزير الدفاع ومدير المخابرات الفريق “جمال عمر” وسفراء السودان في جنيف ونيويورك والطرق الصوفية ورجل الأعمال “عصام الشيخ”.. ووزراء الخارجية السابقين.. وأحزاب الحوار الوطني التي فتحت أبواب الانفراج السياسي.. ومن سوء التقدير وبؤس التفكير.. أن يشتجر مرة أخرى الفريق “طه عثمان” الذي يتحدث بثقة القريب حتى الآن من الرئيس والبروفيسور “إبراهيم غندور” الذي يتحدث أكثر من كل المسؤولين.. ولا يذكر دوراً للرئيس أو لأجهزة الدولة الأخرى.. وحتى الخارجية يختزلها في شخصه وتلك من سمات السودانيين الذين يعلون من شأن الأشخاص على حساب المؤسسات.
نعم رفع الحصار وتمددت شلالات الفرح من القرى للمدن ولاحت مرة أخرى فرصة تاريخية للسودانيين لتجاوز المقعدات اللاتي جعلن الوطن يئن تحت وطأة الحصار والعجز.. وأكبر المعقدات هي الحرب التي توفرت الآن كل أسباب صمتها وإيقافها نهائياً إذا ما أحسنت الحكومة استغلال الفرصة الحالية، ولكن التباهي والإدعاء بأن ما تحقق بفضل الأجانب أو الأشخاص المتنفذين يهزم مشروع الخلاص الوطني الذي برز قرار رفع الحصار بذرته الأولى.