الحاسة السادسة
عينكم للفيل.. وتطعنوا في ضلو؟!
رشان أوشي
لأيام خلت، ظلت الصحف تهتم بنشر تغطيات تتعلق بحملات للشرطة تستهدف شارع النيل الممتد من جامعة الخرطوم وحتى كبري المنشية، مشهد مروع، يثير الرعب في نفوس المارة، مجموعة من رجال الشرطة برفقتهم كلاب بوليسية، وعدد كبير من سيارات النجدة، عمليات تفتيش لمركبات المواطنين بطريقة لا تخلو من إذلال، وكأن الشعب جميعه متهم حتى تثبت براءته، مع العلم أن كورنيش النيل قبلة للأجانب والسواح، قالت الشرطة إنها تبحث عن المخدرات، وتكافح الجريمة، وتسعى نحو الانضباط، وبالطبع ضاع تحت أقدام البطش الشرطي رزق السيدات المسكينات، بائعات الشاي، عائلات أفواه جائعة، ولا تعلم وزارة الداخلية أن بسعيها للانضباط كما ورد على لسان قادتها، فإنها تدفع الباحثات عن رزق حلال إلى ارتكاب الجرائم بعد أن أوصدت أمامهن سُبل العيش بعرق الجبين.
عن أي مخدرات تبحث شرطة ولاية الخرطوم في شارع النيل وعلى الهواء الطلق، بينما يعلم القاصي والداني من أين تدخل المخدرات للبلاد، وكيف تنتشر، ومن هم كبار مروجيها، بالطبع ليسوا رواد شارع النيل من الشباب الباحثين عن متنفس، ولا بائعات الشاي المسكينات، ولا أب يحمل أسرته في مركبته بقصد التنزه حتى يتعرض للتفتيش بالكلاب البوليسية.
في ذات الوقت تجأر الجهات المختصة بالشكوى من ازدياد أعداد الأطفال مجهولي الأبوين سنوياً، وتتحدث عن ضرورة إيجاد حلول لهذه القضية الإنسانية المهمة، بينما تعمل جهات أخرى على إغلاق كل منافذ التنفس والتنزه العامة للشباب، والتضييق على المقاهي والمنتزهات وشارع النيل، مما يدفع هؤلاء الشباب إلى اللجوء للأماكن المغلقة باعتبارها أكثر أمناً من تطفل رجال الشرطة على الناس في الشوارع، والتربص بنواياهم.
عليكم أن تبحثوا عن المخدرات في أماكنها التي تعلمونها جيداً، فالحاويات التي عبرت ميناء بورتسودان لم يجلبها بائعات الشاي ولا شباب شارع النيل، أما الانضباط فهو تقدير شخصي، يتفق الجميع حول النظم الاجتماعية وتتفاوت نسب الالتزام بها، لا تحرسوا نوايا الناس، ولا تحاكموهم بالتخمين.