بدء التحويلات المصرفية مع البنوك الخارجية.. هل تصبح محفزاً استباقياً لرفع العقوبات الأمريكية؟
تفاؤل رسمي وشعبي وتوالي انهيار سعر صرف الدولار بالسوق الموازي
تقرير ـ سيف جامع
مؤشرات إيجابية كبيرة بدأت تطرأ على الاقتصاد السوداني، قبل أيام من القرار المتوقع برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية نهائياً على البلاد في الثاني عشر من أكتوبر المقبل، حيث أبدى مراقبون تفاؤلاً كبيراً برفع العقوبات، خاصة بعد أن أزيل السودان من لائحة البلدان المشمولة بالمرسوم الأميركي الجديد، وكان هذا المرسوم في نسخته السابقة يحظر دخول رعايا السودان وإيران وليبيا وسوريا والصومال واليمن إلى الولايات المتحدة.
وكان أبرز المؤشرات الإيجابية انهيار سعر صرف الدولار أمام الجنيه بوتيرة متسارعة خلال اليومين الماضيين، عقب إصدار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قرار يقضي برفع السودان من قائمة الدول يحظر رعاياها من السفر إلى أمريكا، واستجاب سوق الصرف الموازي سريعاً لهذه المستجدات بانخفاض متوالٍ في قيمة الدولار، حيث استقر أمس في (19.5) للشراء مقارنة بـ(21) جنيهاً ثم (20) جنيهاً وتوقع متعاملون في السوق الموازي مواصلة الدولار انخفاضه قبل الموعدد المحدد لقرار رفع العقوبات نهائياً عن السودان في الثاني عشر من أكتوبر المقبل.
فوائد مرجوة..
وفي مقاطعات أمريكية عدة، يترقب المواطنون السودانيون المقيمون هنالك قرار “ترمب” المرتقب أكتوبر المقبل، ويقول “حسن البدوي” المقيم بولاية بوسطن: إن رفع العقوبات سيحقق فوائد عدة للمقيمين في أمريكا، لأنه يسهل من انسياب عملية التحويلات المصرفية المباشرة، وأشار إلى السودانيين في الولايات المتحدة، يعانون كثيراً في تحويل أموالهم إلى السودان، لذلك يلجأون إلى مكاتب الصرافة والوسطاء عبر مكاتبهم في دبي والخليج، وأشار إلى أنه حال تم رفع الحظر والسماح بالتحويل مباشرة إلى البنوك بالسودان، سيحقق فوائد كبيرة للاقتصاد السوداني، وينعش كافة القطاعات بالسودان ويفتح شهية السودانيين الأمريكيين في إقامة مشاريع استثمارية بالسودان خاصة في مجال الزراعة والصناعة والعقارات.
وأوضح “البدوي” لـ(المجهر) أنه يحول أمواله إلى السودان عن طريق مكاتب صرافة تتبع للصوماليين في أمريكا، حيث تحول إلى مكاتب صرافة في دبي ومن ثم إلى السودان، لافتاً إلى أن نسبة العمولة تبلغ (6%) من المبلغ المحول وتصل إلى السودان في اليوم الثاني، وشكا من استلام أموالهم في السودان بالعُملة المحلية، مما ينقص من قيمة تحويلاتهم، وطالب بتغيير هذه الطريقة عقب رفع العقوبات.
هواجس لدى سماسرة الدولار ..
وشهدت منطقة حول برج البركة بالخرطوم، انتشاراً واسعاً لسماسرة العُملات برغم الحملات التي تنفذها السلطات الأمنية على المتعاملين في النقد الأجنبي، وهم يلوّحون بإشارتهم المفهومة (فرط الأصابع)، وهم يهمسون للمارة بعبارة (صرف – صرف).
وعبَّر تاجر عُملات تحدث (للمجهر) فضل عدم ذكر اسمه، أنهم بخشون كثيراً من صدور القرار المتوقع، لأن الدولار سيتراجع بنسبة كبيرة، وأكد أن زملاءه في حيرة من أمرهم، وأصبحوا مترددين بين صرف الدولارات التي بحوزتهم أم الانتظار إلى ما بعد القرار.
وكان قد أكد محافظ بنك السودان المركزي “حازم عبد القادر”، تراجع سعر الصرف بمجرد رفع اسم السودان من قائمة تمنع المواطن السوداني بالحصول على تأشيرة الدخول إلى أمريكا أمس الأول، إلى انخفاض سعر الصرف في السوق الموازي أمام الجنيه السوداني.
بدء التحويلات المصرفية مع البنوك الخارجية
وجاء حديث محافظ بنك السودان المركزي “حازم عبد القادر” عن بدء التحويلات المصرفية فعلياً مع البنوك الخارجية، مطمئنا للقطاعات الاقتصادية وتوقع “حازم” حدوث انفراج في النقد الأجنبي قريباً خاصة إذا تم رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد في أكتوبر المقبل نهائياً.
ويعيش السودان على المستويين الرسمي والشعبي حالة ترقب حذر مع اقتراب موعد الإدارة الأميركية حسم موضوع رفع عقوباتها الاقتصادية من عدمه المتوقع يوم 12/ أكتوبر المقبل.
وتؤكد الحكومة أنها تنتظر رفع العقوبات الأميركية، بعد أن أوفت بالتزاماتها بالاشتراطات فيما عرف بالمسارات الخمسة، التي حددت في عهد الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”.
وقد منحت الإدارة الأميركية السودان ستة أشهر تنتهي في 12 من أكتوبر المقبل، للإبقاء على العقوبات التي تفرضها عليه منذ 1997 أو رفعها جزئياً.
وتعول الحكومة على حدوث انفراج ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية على البلاد خاصة القطاع المصرفي، الأمر الذي من شأنه أن يحفز على جذب الاستثمارت الأجنبية إلى البلاد، ويرى دكتور “أحمد صديق جبريل” مساعد المدير العام لبنك فيصل الإسلامي، أن رفع العقوبات سيكون له تأثير كبير على الصناعة المصرفية بإعادة التعامل مع المصارف العالمية وسهولة انسياب التحويلات والحصول على أنظمة العمل المصرفي التقني المتطور.
تأثيرات مباشرة منتظرة من قرار رفع العقوبات
ويقول: إن رفع العقوبات يمكن من الحصول على تسهيلات من المصارف العالمية لمقابلة فتح الاعتمادات المستندية، وبالتالي تشجيع العمل في مجال التجارة الخارجية وسهولة تغذية حسابات المصارف لدى المراسلين ودخول البنوك الأجنبية للسودان بأنظمتها المتقدمة ومواردها الكبيرة، وأضاف إنه من المتوقع زيادة عدد المتعاملين مع الجهاز المصرفي مما يعزز الشمول المالي ويرفع كفاءة الجهاز المصرفي، بجانب المشاركة الفعلية للقطاع الزراعي والقطاعات الإنتاجية. وأشار إلى ضرورة التركيز على الإنتاج باعتباره الحل الجذري للخروج من الأزمة الاقتصادية.
وقال إن توقعات تدفق رؤوس الأموال الأجنبية يؤدي للتوسع في المشروعات الاستثمارية وبالتالي رفع مستوى الدخل إلى (3500) جنيه بدلاً من (300) جنيه عام 1988م. إضافة إلى انخفاض معدل البطالة ومعدل التضخم نتيجة للإنتاج وتسهيل حركة التجارة بين دول العالم والسودان، وانخفاض تكلفة مدخلات الإنتاج الزراعية والصناعية، وبالتالي انطلاق القطاع الخاص لقيادة التنمية، كما توقع فتح منافذ جديدة للصادر حول العالم بصورة مباشرة بدلاً عن التهريب عبر الحدود مما يقلل التكلفة ويضمن وصول عائدات الصادر للقنوات المصرفية.
وأشار إلى أن الحظر أثر في كافة الجوانب خاصة الاقتصادية والحرمان من التمويل والمساعدات والإعفاءات وارتفاع تكلفة الخدمات وفقدان (50) ملياراً من تسهيلات مصرفية وعزل القطاع المصرفي وخفض معدله.
وشدد الخبير الاقتصادي “سمير أحمد قاسم” نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية، على ضرورة تعديل قانوني الاستثمار والعمل ليواكب مرحلة ما بعد رفع العقوبات، وتجهيز دراسات لبعض المشاريع الاستثمارية والصناعات التحويلية بغرض الصادر، خاصة المشاريع الزراعية والتوجه بقوة نحو تصدير الثروة الحيوانية كلحوم مذبوحة والاهتمام بتصنيع الجلود لتحقيق قيمة مضافة، متوقعاً أن تسهم هذه المشروعات في جذب رؤوس الأموال والتقانة الحديثة من أمريكا وأوربا.
ورجح “سمير” بصدور قرار الرفع للعقوبات في الثاني عشر من أكتوبر المقبل بسبب انشغال الرئيس الأمريكي بترتيب السياسة الخارجية، لافتاً إلى أن بعض التيارات الأمريكية تشجع الاتجاه لرفع العقوبات عن السودان.
وشكا “سمير” من غياب المنافسة العادلة بين القطاع الخاص والعام، وأشار إلى تصنيف السودان ضمن الدول الأقل نمواً لاعتماده على الضرائب والجمارك، وأضاف: “بالتالي فإن أي شركات معفاة تصبح عبئاً على الاقتصاد” .
وأشار “سمير” إلى التأثيرات السالبة للعقوبات الأمريكية على المواطن مباشرة، وعلى التنمية ورفع نسبة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن وارتفاع تكلفة الإنتاج وارتفاع التضخم وعدم استقرار سعر الصرف.
ومع اقتراب الموعد المحدد لصدور القرار من عدمه، أصبح الشارع السوداني في حالة انتظار وحاز القرار المرتقب على اهتمام كافة المواطنين بقطاعاتهم المختلفة واتجهت أنظار السودانيين إلى متابعة الصفحة الرسمية للرئيس الأمركي “دونالد ترمب” على تويتر ربما يغرد عبرها بما فيه البشريات للبلاد، ورصدت (المجهر) التحاق عدد من السودانيين في متابعة حساب “ترمب” على تويتر.