أخبار

مقدِّمات لقرار

القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي “ترمب” بإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي قيَّدت أمريكا دخول مواطنيها إلى الولايات المتحدة بزعم أنهم يشكِّلون خطراً على الأمن الأمريكي، يعد مثل هذا القرار بمثابة مقدِّمات لقرار قادم في شهر أكتوبر برفع الحظر الاقتصادي عن البلاد كلياً، ثم رفع اسم السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب في العام القادم، لأن تجديد وضع السودان قد تم قبل فترة قليلة، ومع إن قرار إلغاء حظر سفر السودانيين قد وجد ارتياحاً بالغاً في الأوساط الرسمية والشعبية، إلا أن الواقع ينفي ارتباط السودانيين بالعمليات الإرهابية التي تنفِّذها الجماعات الإسلامية المتطرِّفة في الغرب.. والولايات المتحدة قيَّدت سفر السودانيين لأسباب سياسية وليست لحقائق واقعية على الأرض، فالسودان أقل الدول تصديراً لمنسوبي حركة داعش وتنظيم القاعدة.. والدول التي لا تقيِّد الولايات المتحدة سفر مواطنيها لأراضيها هم الأكثر انتظاماً في صفوف الإرهابيين.. وقلة مشاركة السودانيين في التنظيمات الإرهابية يعود لوسطية الإسلام السياسي في البلاد، كما يطلق عليه البعض، ولأن المسلمين في هذا البلد لم يتعرَّضوا للاضطهاد السياسي ولا الإقصاء من حق التعبير والدعوة.. ولو تعرَّضوا لما حاق بالمسلمين في بعض البلدان ليمموا وجوههم شطر داعش والقاعدة.. عطفاً على إن بلادنا فيها الإرهاب وثمة علاقة بين الإرهاب والتطرُّف والكبت والقمع المؤسسي.
بعد صدور القرار الذي هو بمثابة المؤشر الأقوى لما يطبخ الآن على نار هادئة في البيت الأبيض لينهي الرئيس الأمريكي “ترمب” العقوبات الاقتصادية التي أقعدت البلاد من الاستفادة من الاستثمار، وأعاقت نمو الاقتصاد الوطني.. وحرَّمت السودان من بعض تكنولوجيا الاتصالات للأغراض البحثية والعسكرية.. كما إن العقوبات الأمريكية قد جعلت المال العربي الراغب في الاستثمار في القطاع الزراعي والحيواني يتجه إلى بلدان أخرى خوفاً من تبعات الاستثمار في بلد يصعب التمويل منه وإليه وفي ذات الوقت عدم اليقين باستقرار الوضع السياسي.
وبرفع العقوبات الاقتصادية يعود السودان معافى للأسرة الدولية جميعها ويفارق السرب الذي وضع فيه من غير إرادته ويضم السرب الملعون دولاً مثل: كوريا الشمالية وإيران وليبيا، إن وجدت الآن، والصومال وتشاد وفنزويلا واليمن.. ولكن هل استعدت بلادنا جيِّداً لمرحلة ما بعد رفع العقوبات.. خاصة على الصعيد السياسي؟، وقد ظل الخطاب الداخلي (يعلِّق) كل أسباب ضنك المعيشة من غلاء وندرة وضعف إنتاج وكساد الصادر ونضوب البترول إلى الحصار الاقتصادي.. وأقنع السياسيين المواطنين بأن الولايات المتحدة هي وراء كل الأزمات التي يمر بها الوطن.. وبعد قرار رفع المقاطعة وانسياب الحركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الخرطوم وواشنطون فإن المطلوب من الحكومة أن تستثمر علاقتها المفترض أن تصبح جيِّدة مع واشنطن في القريب العاجل لتلعب الولايات المتحدة دور الوسيط أو المسهِّل أو الحاضن لمفاوضات سلام أكثر جدية من الجولات السابقة لإنهاء الحرب في المنطقتين عن طريق التسوية السلمية وليس البندقية.. وفي ذات الوقت أن تطلب الخرطوم من الولايات المتحدة لعب دور في إعمار دارفور وجمع السلاح ومكافأة على دورها في محاربة الإرهاب والتطرُّف.. ثم إلغاء أو تجميد قرار المحكمة الجنائية بحق الرئيس “عمر البشير” الذي فعل كل شيء من أجل السلام في المنطقة، ولكن لا يزال في عنقه خيط يشدَّه إلى لاهاي.. فالولايات المتحدة يمكنها القيام بالكثير من الأفعال لصالح علاقة البلدين التي يستفيد منها الأمريكان أكثر من السودانيين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية