الاستقرار السياسي تحت مجهر (الأفارقة)
ينعقد بالخرطوم اليوم ملتقى فكري مهم تنظِّمه الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية تحت عنوان (الاستقرار السياسي في أفريقيا.. التحديات وآفاق المستقبل)، يُشارك فيه عدد من الرؤساء الأفارقة السابقين ووزراء وخبراء و إعلاميين من مختلف أصقاع القارة السمراء.
يبحث الملتقى موضوع الاستقرار السياسي في أنظمة الحكم بأفريقيا وكيفية تحقيقه واستدامته، عبر التداول السلمي للسلطة والاتفاق على أسس وثوابت وطنية تجمع ولا تُفرِّق، وتُمهِّد لبناء دولة عصرية حديثة مُحصَّنة ضد النزاعات والاحتراب على السلطة.
ولا شك أن تصدي الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية و الأمنية لتنظيم هذا الملتقى الدولي هو انطلاقة جديدة ناحية الاهتمام بالفكر والدراسات والبحوث وتقدير للعلماء والمفكِّرين وأصحاب الخِبرات بمختلف الجنسيات، وهو الطريق الصحيح الذي سلكته قبلنا الأمم التي نهضت وتقدَّمت وحقَّقت الاستقرار السياسي المُستدام بعيداً عن الدائرة الجهنميِّة (انقلاب عسكري – ديمقراطية تعددية…)، كما قفلت تماماً أبواب أي محاولات لتمرُّد مسلَّح طلباً للتنمية المتوازنة أو مكاسب سياسية أو اقتصادية لفئات مجتمعية أو أقليات على هامش الدولة .
وبتحقيق الاستقرار السياسي، يتحقَّق الاستقرار الاقتصادي، وتنطلق عجلات الإنتاج في كل المجالات، وتنتقل الدولة إلى مُربَّع الرفاهية ويتوفَّر لمواطنيها العيش الكريم والعدالة و المساواة .
غير أن الأهم من عقد الملتقى واستقطاب الخبراء للحديث على منصته، هو تنزيل توصياته وملخصاته واقعاً في مسارات عمل الدولة، والإفادة من رؤى وأفكار ومقترحات هؤلاء الخبراء و بلورتها في مشاريع سياسية واقتصادية وصولاً لنقطة الاستقرار السياسي الكامل.
اللافت أن تتبنى مثل هذا الملتقى الفكري والسياسي المهم أكاديمية (أمنية) اعتمدت ضمن مؤسسات التعليم العالي و البحث العلمي، وهذا منعطف يستحق الإشارة له والتنويه، فبعد أن كانت الأكاديميات الأمنية والعسكرية والشرطية محصورة في مجال التدريب والتأهيل والتمهيد لترقِّي الضبَّاط بالقوات النظامية في بلادنا، تطوَّرت برامجها ومساقاتها الأكاديمية و العلمية بما يَخدُم إستراتيجيات الدولة في مناحٍ مختلفة .
نأمل أن ينجح هذا الملتقى في التأسيس لقواعد الاستقرار السياسي في السودان، والإقليم الأفريقي أجمع، وأن تكون الدولة أكثر جديِّة في تحويل مخرجاته لبرامج عمل حتى لا يكون مهرجاناً للخُطب ومنبراً احتفالياً باهظ التكاليف .