المجهر تحاور الدكتور أمين حسن عمر حول دارفور (2\2)
يظل ملف قضية دارفور من أعقد الملفات وأخطرها داخل الحكومة السودانية وأعصاها على الحل, ذلك أن الملف انتقل من قيادات كثيرة نافذة داخل الحكومة بدأت بالنائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، وتنقل بين شخصيات أخرى منها الدكتور نافع علي نافع، والراحل الدكتور مجذوب الخليفة، والدكتور غازي صلاح، وأخيراً أصبح بين يدي الدكتور أمين حسن عمر الذي يتقلد في الوقت ذاته منصب وزير برئاسة الجمهورية. وليس من الواضح ما إذا كان هذا الملف سيظل بين يديه حتى النهاية أم أنه سينتقل إلى شخص آخر لتطاول أمد الأزمة التي اقتربت من العقد من الزمان. لكننا في (المجهر) السياسي اقتربنا كثيراً من الأفكار والمقترحات والخطوات التي تريد أن تطبقها الحكومة لحل الأزمة من خلال هذا الحوار.
هنالك جهات في الأمم المتحدة سعت من أجل ألا يتم التجديد لرئيس اليوناميد قمباري
نرفض رفضاً قاطعاً تغيير صلاحية اليوناميد لتشمل مطاردة مقاتلي جيش الرب!
ما يحدث من تطورات أمنية ليست اغتيالات سياسية وإنما نزاعات قبلية عادية!
سنبدأ تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاقية الدوحة الأسبوع المقبل.
{ لننتقل الآن إلى ملف دارفور, ونبدأ من آخر التطورات بالإقليم وهو استقالة رئيس البعثة الدولية المشتركة، البروفسير إبراهيم قمباري, كيف تنظر الحكومة الي استقالته؟ وما هو تأثير هذه الاستقالة على مجمل الأوضاع الأمنية في دارفور؟
– أولاً قمباري لم يستقل, وإنما انتهت مدة تعاقده معها مع الأمم المتحدة وقدر ألا يستمر في البعثة.
{ ولكنه استقال بشكل رسمي، وقبل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، استقالته منذ يوليو الماضي…
– لا لا، مدته انتهت وتم تجديدها لمدة سنة ثم ستة أشهر ثم ثلاثة أشهر، وعندها استنتج من التجديد المتناقص أنه غير مرغوب فيه، وأنه ليس هنالك رغبة صادقة للتجديد له، وبادر بتقديم استقالته حتى لايكون الأمر وكأنه إقالة.
{ ………….؟
– هنالك جهات في الأمم المتحدة وليس الاتحاد الأفريقي هي من سعت إلى عدم التجديد له , وهو قد فهم هذا فبادر إلى الخروج قبل أن يُطلب منه ذلك.
{ هل تعتقد أن الأمم المتحدة غير راضية عن أداء قمباري كممثل لها والاتحاد الأفريقي في دارفور؟
– أنا لا أقول الأمم المتحدة, ولكن هنالك بعض الأفراد في مكتب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحفظ السلام غير راضين عنه, وأعتقد أنهم سعوا لإزاحته من منصبه لأسباب سياسية متصلة بانتمائهم لدول معينة ولا أريد أن أزيد أكثر من ذلك.
{ كيف سيؤثر غياب قمباري عن البعثة على عملية السلام في دارفور خاصة وأنه كان يتسم بالنشاط, وشهد عهده انحساراً كبيراً لموجة العنف في الإقليم؟
– بالطبع هو فقد كبير, ونحن نرجو ان يكون هنالك بديل مناسب بعد أن قرر قمباري الذهاب, والحكومة السودانية لابد أن توافق على من سيخلف قمباري في منصبه.
{ هل هناك أسماء قدمت لكم كمرشحين لخلافة قمباري؟
– نعم, الأمم المتحدة رشحت اسماً ولكن بطريقة غير رسمية، ونحن رفضنا ذلك.
{ لماذا؟
– قلنا لهم نحن نريد قائمة من المرشحين لنختار واحداً منهم, وكما قلت فإن من تم ترشيحه تم بصورة غير رسمية.
{ من هو الذي رشحته لكم الأمم المتحدة؟
– لا أستطيع قول اسمه لك, ولا أريد أن أزيد شيئاً في هذا الموضوع.
{ هنالك تقارير صحافية تحدثت عن أسماء مثل الوسيط الأفريقي الحالي بين السودان وجنوب السودان, رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو أمبيكي, وبنجامين ماكابا، رئيس تنزانيا السابق, ما مدى صحة هذه التقارير؟
– ليس هنالك أسماء مثل ما ذكرت, وقلت إنني لا أريد أن أخوض في هذا الموضوع.
{ طيب, نذهب إلى اتفاق سلام الدوحة, والذي مر أكثر من عام على توقيعه مع حركة التحرير والعدالة.. هل أنتم راضون عن تنفيذ هذه الاتفاقية؟
– نحن راضون عن الاتفاقية, ولكننا غير راضين عن البطء الذي رافق التنفيذ طبعاً. وبالمناسبة هذا الأمر رافق تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة مع جنوب السودان. وهنالك أسباب كثيرة أدت إلى بطء تنفيذ الاتفاق.
{ …………؟
– ونحن متفهمون لهذا البطء في التنفيذ ومتوقعون ذلك, لأن وحتى عملية وصول قيادات حركة التحرير والعدالة للخرطوم استغرق أكثر من 4 أشهر. هنالك قضايا متعلقة بالتأشيرات وتجميع القيادات المنتشرة في عدة مناطق في العالم, كما أن هنالك العديد من البرتوكولات الكبيرة والأشياء الأخرى.
{ كيف تسير الأمور الآن؟
– الآن معظم الأشياء الأساسية قد أنجزت. ونحن الآن بصدد بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية في الأسبوع المقبل, ونحن الآن أيضاً بصدد الإعداد لمؤتمر المانحين الدولي في العاصمة القطرية الدوحة.
{ هل تم تحديد موعد محدد لهذا المؤتمر؟
– نعم , تم الاتفاق من حيث المبدأ على مطلع ديسمبر كموعد للمؤتمر, والآن الاستعدادات تسير بصورة طيبة, فهنالك لجان تحضيرية من الأمم المتحدة تعمل كخبراء, وهنالك لجان من الخبراء الوطنيين ما زالوا يعملون, هذا فضلاً عن وجود لجان تسيير في قطر وهي تعمل بصورة طيبة.
{ هل تتوقعون فائدة كبيرة من هذا المؤتمر؟
والله, نحن لسنا متفائلين, وفي نفس الوقت لسنا متشائمين. ومصدر التفاؤل أن هنالك تعاطفاً دولياً كبيراً مع مشكلة دارفور, كما أن هنالك قبولاً جيداً للاتفاقية من المجتمع الدولي. أما سبب التشاؤم هو أن الوضع الاقتصادي العالمي يمر بفترة صعبة وهو من شأنه أن يؤثر على تعهدات المانحين. ومع ذلك فنحن نتوقع أن تكون هنالك تعهدات كتلك التي ذهبت إلى اتفاقية شرق السودان.
{ أنت تقول ذلك , ونفس المجتمع الدولي هو من تعهد للإعمار خلال اتفاقية سلام نيفاشا بمليارات الدولارات ولكنه لم يدفع منها سوى القليل؟
– نعم هذا صحيح. ولكن هنالك أسباب لذلك , والسبب الأول هو سياسي في المقام الأول. بل إن بعض الدول صعدت قضية دارفور من أجل أن تفشل اتفاقية نيفاشا! ومعظم هذه الدول غير راضية عن حكومة الإنقاذ وسعت إلى الذهاب بها عن طريق تأجيج مشكلة دارفور من أجل ألا تبقى هذه الحكومة.
{ ولكن ما الذي استجد لتقول إن هنالك تعاطفاً مع قضية دارفور من قبل المجتمع الدولي, فالحكومة نفس الحكومة, والمجتمع الدولي هو نفس المجتمع الدولي؟
– قلت إن هذه الدول غير متحمسة لنوع الحكم في السودان , وبعضها يقول إن الحكومة السودانية غير مرغوبة فيها. وتقول إنها تمثل نموذجاً لظاهرة الإسلام السياسي وغير مساير لها. وأنا أقول لك إننا سنعيش مع هذه الوضعية لمدة من الزمن حتى يعتاد العالم على ظاهرة الإسلام السياسي التي بدأت تنتشر في معظم الدول العربية والإسلامية, وأصبح ليس في السودان لوحده, فإما أن يعتادوا عليه وأما أن يغيروه!
{ طيب, ألا ترى أن نفس هذه الدول تعمل على عرقلة مؤتمر المانحين في الدوحة كنوع من تغيير نوع الحكم في السودان ؟
– يمكن أن يحدث ذلك. ولكن هنالك حدود لما تستطيع أن تفعله. ولكننا نرحب بمساهمة الجميع وسندعو الجميع, فمن جاء مرحباً به, ومن أبى فقد أبى.
{ هل قيمتم فكرة زيادة ولايات دارفور التي جاءت بها اتفاقية سلام دارفور. وانا أسألك هذا السؤال وفي بالي النزاعات والصراعات التي حدثت بين قيادات المؤتمر الوطني نفسها في عدد من الولايات واستقالة بعضهم بسبب نقلهم الي ولايات أخرى؟
– هذا الكلام غير صحيح. أولاً إن قضية زيادة ولايات دارفور كان قبل اتفاقية سلام الدوحة. واتفق أبناء دارفور على زيادة عدد الولايات في مؤتمر أهل دارفور الذي أقيم قبيل توقيع الاتفاقية. والخلافات داخل الولايات ليست سياسية , وهي ليست بسبب زيادة عدد الولايات.
{ هل تم تقييم التجربة؟
لا , لم يتم ذلك. لأن الفترة الزمنية التي مرت قليلة , كما أن زيادة ولايات دارفور جاءت استجابة لمطالب أهل دارفور. وعلى كل سيقام هنالك استفتاء عام لأهل دارفور ليقرروا إن كانوا يريدون الولايات بهذه الكيفية أو إقليماً واحداً.
{ ومتى سيقام هذا الاستفتاء؟
– اتُّفق , أنه وبعد مرور سنة على اتفاق الدوحة سيقام استفتاء لأهل دارفور بعد أن يتشاور الرئيس مع رئيس السلطة الاقليمية الانتقالية في دارفور.
{ على ذكر السلطة الإقليمية, أصبح لافتاً أن رئيس السلطة، الدكتور التجاني السيسي، ظل يشتكي من عدم توفر الميزانية المطلوبة لتسيير أعمال السلطة؟.
– كل وزارة من وزارات الحكومة تشتكي, وما الغرابة في ذلك, فالشكوى موجودة من الجميع، والجميع يعرف الأوضاع الاقتصادية. ونحن أيضاً نشتكي من وزارة المالية.
{ ألا ترى أن هذا الأمر سيؤثر على تنفيذ الاتفاقية, من ثم تتكرر تجربة أبوجا ويعود السيسي غاضباً كما فعل مناوي؟
– إذا كان تأخير تسليم الميزانية سيؤثر على تنفيذ الاتفاقية فإنه سيؤثر أيضاً على كل مرافق الدولة, لأن هذا هو الأمر الراتب في الدولة وأصبحت الأموال لا تأتي في أوقاتها المقدرة ولا بكمياتها المقدرة.
{ أليس هنالك قلق حكومي من الأوضاع الأمنية في دارفور, والتي أصبحت تشهد تصعيداً ملحوظاً خاصة في ولايتي شمال دارفور وجنوب دارفور؟
– بالعكس, فإن الأوضاع الأمنية عامة أفضل من الماضي, صحيح أن الحركات المسلحة التي في الجنوب عادت لدارفور وأصبحت تدخل في عمليات عسكرية مع القوات المسلحة , كما أن هنالك نزاعاً عرقياً في كتم, ولكن هذا لا يعني أن الأوضاع الأمنية غير مستقرة.
{ ولكن يلاحظ أن الصراع القبلي اتخذ طابعاً سياسياً وهو أقرب لعمليات الاغتيال السياسي ودونك ما يحدث في كتم والواحة؟
– هذه الحوادث ليست ذات طابع سياسي وإنما قبلي فقط.
{ تبدو وكأنك غير قلق مما يحدث؟..
– بالعكس أنا قلق جداً, وأنا دائماً على اتصال بالولاة ووزير الدفاع وفي وقت متأخر من الليل من أجل بسط الأمن والاستقرار.
{ حدث انشقاق جديد داخل حركة العدل والمساواة مؤخراً, هل تعتقد أن هذا الانشقاق سيؤثر سلباً أم إيجاباً على عملية السلام في دارفور؟
– إذا كان قادة الحركة يفكرون في الحرب فالانشقاق داخلها إيجابي, أما إذا كانوا يفكرون في السلام فالانشقاق سلبي.
{ دكتور أعود بك مرة أخرى إلى اليوناميد, وأسألك كيف تنظر الحكومة الى قرار مجلس الاأمن الذي خول لليوناميد مطاردة وتعقب جيش الرب في دارفور؟
– نحن نرفض أي تعديل أو اي قرار من مجلس الأمن على القرار الذي تم بموجبه دخول البعثة الى دارفور. وبالتالي فإننا نرفض هذا القرار. وهذا الأمر ليس سراً ومندوب السودان في الأمم المتحدة اعترض عليها , بل إن اليوناميد اعترضت عليه أيضاً.
{ ولماذا أدخل هذا التعديل من مجلس الأمن في ظل رفض الحكومة واليوناميد معاً؟
– لسبب بسيط أنه لا يوجد وجود لجيش الرب في دارفور حتى تتم مطاردته، كما أن الحكومة السودانية لن تسمح لأي جهة كانت بأن تتحرك داخل أراضيها وتقوم بأعمال عسكرية فيها.