أخبار

محن الشرق

أين هي مضامين شعارات (هي لله لا للسلطة ولا للجاه).. في أرض الواقع تبدو المفارقة كبيرة والمسافة بعيدة بين نرجسية الشعارات والمواقع المُر.. وأكثر ما أضر بالتجربة السودانية تقديس الشخوص كالطائفية التي تجعل من البيت المهدوي والبيت الختمي حاملين لمفاتيح الدين في جيوبهم، ودفعت الحركة الإسلامية ثمن تنزيه أفرادها ومنسوبيها عن نزوات الضعف البشري العادية جعلتهم من حيث أرادت خيراً لهم أفراداً منزَّهين عن الأخطاء.. بل رفعتهم فوق صحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وما هم إلا تابعين من بعد أولئك بقرون عديدة.. ولكن لا يزال البعض يردد شعارات وأماني تفارق الواقع وتصادمه (لا لدنيا قد عملنا).. و(لا لحزب قد عملنا).. يردد البعض مثل هذه الشعارات وهو جالس في مقعده الوثير بأمانات الحزب مفرَّغاً من أي أعباء أخرى إلا لخدمة جمهور الحزب، ورغم ذلك يهتف بما يتناقض وسلوكه الشخصي، ظناً منه أن ما يقوله لسانه يصدِّقه العامة الذين هم ضحايا لجهلهم بالواقع في الأيام الماضية ثم أعضاء رئيس المجلس التشريعي بولاية البحر الأحمر وهو أعلى قيادات الوطني صوتاً حينما يهتف (لا للسلطة ولا للجاه).. حتى تهتز  قاعة المجلس التشريعي وهو القائل: (أكرمتنا الخرطوم بابن الكرام علي أحمد حامد والي البحر الأحمر)، واليوم يتمرَّد رئيس المجلس التشريعي داخل       بور تسودان (مدينتي)، لأنه فقد منصبه ومخصصاته وسياراته التي تخدمه وأسرته.. وأحفاده.. وعشيرته الأقربين.. اقتضت سنة التغيير والتبديل أن يتنحى رئيس المجلس التشريعي، لكنه رفض ذلك وهدد ووعد الوالي بالثبور وكبائر الأمور إن هو تمسَّك بقرار تبديل رئيس برلمان البحر الأحمر.. الرجل رفع في وجه الوالي عدة (كروت ميتة) أولها إن الوالي يفتقر إلى المؤسسية الآن فقط، بعد إعفاء رئيس المجلس التشريعي.. ورفع نفسه في مقام الإصلاحيين الذين نذروا أنفسهم لحرب الفساد داخل النظام وإن الوالي ما هو إلا رمزية لبطانة وفسقة الفاسدين.. وغداً يصبح رئيس المجلس التشريعي مثل “تراجي مصطفى” تبث تسجيلاتها من المنافي البعيدة بعد أن حصلت على مقعد نائب برلماني ولم تحصل على مقعد وزيرة في حكومة ما بعد الحوار.
أما في ولاية كسلا التي تجاور البحر الأحمر، فإن الوضع هناك أشد بؤساً.. والطامعين في السلطة.. يعلنون جهراً الخروج على الوالي الذي لم يعيِّن هؤلاء السادة وزراء في حكومته.. وفي تحدٍ سافر لحزب المؤتمر الوطني يستغل البعض جلباب القبيلة يهدد ويتوعَّد، لأن الحزب الذي يقذفه منسوبيه بالحجارة من الخارج حزب غير جدير بالاحترام على حد قول النائب الأول السابق “علي عثمان محمد طه” حينما أقبل على فصل “مكي بلايل” و”أمين بناني” و”لام أكول أجاوين” بسبب انتقادهم للأوضاع الداخلية في حزب المؤتمر الوطني علناً.. واليوم ذات حزب المؤتمر يصبح المسؤولين فيه إذا فقدوا مواقعهم في الوزارات والمحليات متمردين على اللوائح ومتمردين على القيم ومتمردين على السلطة، كما يفعل (سيد ترك) الذي يتبختر في ثبات قبلية لخوض معركته مع والي كسلا.. وما فوق الوالي، ونعني بذلك المهندس الصبور “إبراهيم حامد” وهو يواجه ترُّبص الأقربين والأبعدين.. وتحالفات هنا وهناك.
ليس أمام المهندس “إبراهيم محمود” إلا استخدام العصا التي رفعها “علي عثمان” في وجه “بناني” و”بلايل” وإعمال مبدأ المحاسبة الصارمة حتى لا يتمادى متمردي المؤتمر الوطني في تمردهم ويفقد الحزب قدرته على السيطرة على العضوية التي يباهون بها.. ولكنها بعض من يقودون هذه العضوية يعتبرون أنفسهم أصحاب حقوق أصيلة في السلطة التنفيذية إن وجدوا أنفسهم داخلها هتفوا: (هي لله هي لله) وإن غادروا المناصب قالوا نحن مصلحين وما هم بمصلحين، ولكن أكثر الناس يعلمون حقيقتهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية