رأي

بعد .. ومسافة

مصطفى أبو العزائم
جمع السلاح والتطورات السالبة في الميدان!

لا بد أن نقر أولاً بأن هيبة الدولة فوق الأشخاص وفوق الزعامات وفوق الجهويات والقبليات، لأنه في حالة غياب هيبة الدولة لن يكون هناك وطن ولا جهة ولا قبيلة ولا زعيم، لذلك لا بد من دعم سياسة الحكومة القاضية بجمع السلاح في ولايات دارفور وكردفان وبقية ولايات السودان.
الأستاذ “حسبو محمد عبد الرحمن” هو ممثل الرئاسة بصفته نائباً لرئيس الجمهورية، ولا يختلف الناس حول أهليته وجدارته وقدرته في عمله الشاق، وقد تميَّز عن كل الذين سبقوه في منصبه هذا بالنشاط والحيوية وسرعة البت في القضايا والأمور الشائكة والمستعصية، وهو ابن إقليم دارفور الكبير، لكنه لم يبق أسيراً للإقليم ولا للولاية أو القبيلة، وكانت كل المواقع السابقة لتوليه منصب نائب الرئيس هي ممرات لمواقع أخرى متقدِّمة، كانت ممرات صعبة، لكنه استطاع أن يجتاز كل ما واجهه من صعاب وتحديات، ونراه اليوم قد أمسك بواحد من أخطر الملفات وأكثرها حساسية، خاصة في مناطق النزاعات التي يعتبر السلاح فيها جزءاً من قيمة الفرد والجماعة والقبيلة، وإذا ما سعت الحكومة إلى تجريد الأفراد أو الجماعات أو القبائل من السلاح فإنها دون شك – ستواجه مقاومتين، مقاومة صامتة من الذين لا يتجرأون على سلطة الدولة، ومقاومة صارخة من الذين يتجرأون على الدولة باعتبار أنهم دولة داخل الدولة.
إذاً ما يحدث الآن من الزعيم القبلي البارز “موسى هلال” لم يكن مستغرباً أو مستبعداً، لأن زعيم المحاميد يملك ويحكم في مناطق عديدة بدارفور، ويجعل من مستريحة مركزاً للحكم والقوات، أي أنه ممن يعتبرون أنهم دولة داخل الدولة، وقد قامت الحكومة – في مرحلة ما – بتبني قوات “موسى هلال” وقوات أخرى في حربها على التمرد وحمايتها لحدود البلاد، والشيخ “موسى هلال” لم يكن بالرجل السيئ في يوم من الأيام، فأخلاقه وتعامله مع الدولة ومع الآخرين كانت على مستوى أخلاق وتعامل زعماء القبائل، وهو زعيم طموح، بل إن طموحه غير محدود، وقد وجد العون المباشر وغير المباشر من الحكومة ليحقق تلك الطموحات مقابل خدماته الجليلة المتمثلة في ردع التمرد والعمل على استقرار الإقليم، إلى أن ظهر له منافس خطير في الميدان هو القائد الشاب “حميدتي” الذي قدم خدمات أكبر وأجل وأعظم للحكومة فألحقته وقواته بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وأنعمت عليه بالرتب العسكرية، وهو (المهرية) أبناء عمومة (المحاميد)، فأصبح التنافس كأنما هو قائم بين اثنين من بطون الرزيقات، وازداد اقتراب “حميدتي” من مراكز السلطة واتخاذ القرار بحكم المهام التي يقوم بها، وبحكم دوره الكبير في معاونة القوات المسلحة وهزيمة التمرد، فكان القرار القاضي بإلحاقه هو وقواته بالجيش السوداني وترقيته إلى رتبة فريق، وهو أمر جعل هذه القوات تأمر القيادة العليا، بعكس قوات الشيخ “موسى هلال” صاحب الطموح السياسي غير المحدود الذي بات يمتلك مالاً كثيراً وسلطات مطلقة في مناطق وحوالي (60) عربة مسلحة، وأكثر من ألف مقاتل.
الشيخ “موسى هلال” لا نتوقع أن يقوم بتسليم سلاحه هكذا بـ(أخوي وأخوك) وقد دق طبول الحرب من خلال الرسائل المستفزة التي احتشدت بها وسائل التواصل الاجتماعي والتي جاءت غريبة ومستغربة كأنها ليست لغة زعيم قبيلة، وكأنها ليست مفردات قائد مجتمعي يحسب له ألف حساب.. وهو ما يجعلنا نطرح سؤالاً جريئاً حول التوقعات هناك.. هل ستقوم الحرب بين الحكومة وبين قوات الشيخ “موسى هلال”؟ نستبعد ذلك الآن، لأن لذلك آثاره الخطيرة على الإقليم، خاصة بالنسبة للشقيقة تشاد التي لن تسمح بأية توترات على حدودها مع السودان رغم وشائج المصاهرة التي تربط بين الشيخ “موسى هلال” والرئيس التشادي

“إدريس ديبي” وأمن الإقليم إذا انفرط فإن ذلك سيقود إلى فوضى عارمة تعتبر امتداداً لما تشهده ليبيا الآن.
إذاً.. ما هو الحل؟.. الحل في رأي الكثيرين أن تتجاوز الحكومة عما ورد على لسان الشيخ “موسى هلال” فالغضب يقيِّد العقول وعليها أن تتعامل بحكمة مع هذه القضية الخطيرة بأن تقوم باستيعاب قوات “موسى هلال” في إطار القوات المسلحة السودانية بعيداً عن قوات الدعم السريع التي يثير اسمها الحساسية لدى الشيخ “موسى هلال” وأتباعه.. وربما يفجِّر الغبن والحقد الدفين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية