رأي

مسألة مستعجلة

ورحلت “فاطمة أحمد إبراهيم”
نجل الدين ادم
رحلت عن دنيانا الفانية أمس المرأة الحديدية “فاطمة أحمد إبراهيم” القيادية البارزة في الحزب الشيوعي السوداني، وذلك بعد صراع مع المرض.
 رحلت صاحبة القلب الكبير التي لم يزدها إعدام زوجها الراحل “الشفيع أحمد الشيخ” إلا صموداً وتضحية من أجل المبادئ التي ظلت تنشدها دوماً في معالجة قضايا المتشردين من الأطفال.
لا أحد ينسى للراحلة أنها أول من جلست على مقاعد البرلمان السوداني من النساء، لتشكل اختراقاً كبيراً ونقلة قادت من بعد ذلك إلى دخول أخواتها من الأحزاب الأخرى إلى البرلمان، خرجت “فاطمة” من البرلمان في ستينيات القرن المنصرم لتعود إليه بعد أكثر من أربعين عاماً بعد أن فقد الشعب السوداني حضورها الطاغي في قبة البرلمان السوداني، لتحل عضواً في المجلس الوطني بأمر اتفاقية نيفاشا للسلام في العام 2005.
“فاطمة أحمد إبراهيم” جسدت معاني التضحية وهي تصارع من أجل بقاء القيم السمحة، وكانت كل مداخلاتها وتصريحاتها عن هموم الفقراء والأطفال المشردين واللقطاء، والراحلة عرف عنها ورعها وتدينها، فقد خرجت من أسرة متدينة كانت تُدرس الطلاب علوم الدين، فلم تكن شيوعيتها التي ينعتها بها البعض من غير العارفين بأصلها، عنواناً بارزاً لتاركي الصلاة والصيام كما يفتخر البعض من حديثي العهد بهذا الحزب العريق، كانت للراحلة علاقات مميزة حتى لمن يخالفونها الرأي والتوجه، أحبها كثير من الإسلاميين لما تحمله من روح سمحة وقلب سليم بالإيمان والتقوى.
اختلفت مع بعض قيادات الأحزاب الأخرى سياسياً، ولكن ظلت العلاقات الإنسانية راسخة وممتدة، فقد مدت يدها لنظام الإنقاذ يوم أن نادت اتفاقية نيفاشا أن هلموا جميعاً للمشاركة في الحكومة، عقب ذلك الاتفاق التاريخي الذي وقعه حزب المؤتمر الوطني الحاكم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، فجاءت الراحلة طوعاً إلى قبة البرلمان عضواً عن دوائر الأحزاب الشمالية والتي نالت (14%) من كيكة السلطة، وكان حزبها (الشيوعي) من ضمن أحزاب (التجمع) الوطني الديمقراطي.
لم يعكر صفو “فاطمة” طوال مشاركتها في برلمان 2005، إلا عندما منح رئيس البرلمان في ذات يوم فرصة للعضو البرلماني المعروف ونائب الرئيس في حكومة مايو “أبو القاسم محمد إبراهيم”، وبدأ في مخاطبة البرلمان، فيبدو أن حديث الرجل أعاد لها ذكريات إعدام زوجها بواسطة حكومة مايو، فهمت بضرب الرجل بحذائها في تلك الجلسة وهي في حالة هياج متجهة صوب مقعد “أبو القاسم”، إلا أن حلقات تنفيذ ما جاشت به نفسها لم يكتمل، ومن يومها تعثر حضورها بعد أن كانت تسجل حضوراً بين الحين والآخر إلى أن غادرت قبة البرلمان بعد أن حاصرها المرض.
الرحمة والمغفرة لهذه المرأة الزاهدة، والتعازي الحارة لأهل السودان جميعاً وليس الحزب الشيوعي فحسب، لما تحمله الراحلة من حب لهذا الوطن وترابه، خالص التعازي للشيوعيين الذين حق لهم أن يفخروا بالمرأة التي أحبتها كل مكونات أحزاب السودان، لما تملكه من إنسانية.. والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية